يخلد الشعب المغربي من طنجة إلى الكويرة، اليوم الخميس، بكل مظاهر الاعتزاز والافتخار، وفي أجواء التعبئة الوطنية الشاملة تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس الذكرى الثالثة والثلاثين للمسيرة الخضراء المظفرة التي تعد محطة بارزة في مسار الكفاح الوطني من أجل استكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية. وتعتبر هذه الذكرى من أغلى وأعز الذكريات المجيدة في ملحمة استكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية, إنها الملحمة التاريخية التي أبدعها الملك الموحد جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه. ففي السادس من نونبر عام1975 انطلقت جماهير المتطوعين، من كل فئات وشرائح المجتمع المغربي ومن سائر ربوع الوطن، بنظام وانتظام في اتجاه واحد صوب الأقاليم الصحراوية لتحريرها من براثن الاحتلال الإسباني، بقوة الإيمان وبأسلوب حضاري سلمي فريد من نوعه، أظهر للعالم أجمع صمود المغاربة وإرادتهم الراسخة في استرجاع حقهم المسلوب وعبقريتهم في إنهاء الوجود الاستعماري بالالتحام والعزيمة والحكمة, حيث حققت المسيرة الخضراء أهدافها وحطمت الحدود المصطنعة بين أبناء الوطن الواحد، سلاحها العلم الوطني والقرآن الكريم والتمسك بالفضيلة وبقيم السلم والسلام في استرداد الحق والدفاع عنه. لقد استطاعت المسيرة الخضراء أن تظهر للعالم بالحجة والبرهان مدى التلاحم الذي جسدته عبقرية ملك مجاهد وشهامة شعب أبي وتصميم كافة المغاربة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب على استكمال استقلالهم وتحقيق وحدتهم الترابية, سلاحهم في ذلك يقينهم بعدالة قضيتهم وتجندهم وتعبئتهم للدفاع عن مقدساتهم الدينية والوطنية والذود عن كيانهم، تحذوهم الإرادة الحازمة لتحقيق وحدتهم التي عمل الاستعمار بكل أساليبه على النيل منها، إلى أن عاد الحق إلى أصحابه وتحقق لقاء أبناء الوطن الواحد. وقد قدم المغرب جسيم التضحيات في مواجهة الاستعمار الذي جثم بثقله على التراب الوطني قرابة نصف قرن وقسم البلاد إلى مناطق نفوذ موزعة بين الحماية الفرنسية بوسط المغرب والحماية الإسبانية بشماله وجنوبه, فيما خضعت منطقة طنجة لنظام دولي، وهذا ما جعل مهمة تحرير التراب الوطني صعبة وعسيرة بذل العرش والشعب في سبيلها تضحيات رائعة في غمرة كفاح وطني متواصل الحلقات طويل النفس ومتعدد الأشكال والصيغ لتحقيق الحرية والاستقلال والوحدة والخلاص من ربقة الاستعمار بنوعيه والمتحالف ضد وحدة الكيان المغربي إلى أن تحقق النصر المبين والهدف المنشود بعودة الشرعية ورجوع بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس والأسرة الملكية الشريفة من المنفى إلى أرض الوطن, منصورا مظفرا في16 نونبر1955 حاملا لواء الحرية والانعتاق من ربقة الاحتلال. ولم يكن انتهاء عهد الحجر والحماية إلا بداية لملحمة الجهاد الأكبر لبناء المغرب الجديد الذي كان من أولى قضاياه تحرير ما تبقى من تراب المملكة من نير الاحتلال. وفي هذا المضمار، كان انطلاق جيش التحرير بالجنوب سنة1956 لاستكمال الاستقلال في باقي الأجزاء المحتلة من التراب الوطني، واستمرت مسيرة التحرير بقيادة بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس رضوان الله عليه، بعزم قوي وإرادة صلبة ليتحقق استرجاع إقليم طرفاية سنة1958 . وواصل المغرب في عهد جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله مثواه ملاحمه النضالية حيث تم استرجاع مدينة سيدي افني سنة1969 ، وتكللت بالمسيرة التاريخية الكبرى، مسيرة فتح المظفرة في6 نونبر1975 التي جسدت عبقرية الملك الموحد الذي استطاع بأسلوب حضاري سلمي فريد يصدر عن قوة الإيمان بالحق في استرجاع الأقاليم الجنوبية إلى حظيرة الوطن الأب وكان النصر حليف المغاربة، وارتفعت راية الوطن خفاقة في سماء العيون في28 فبراير1976 مؤذنة بنهاية الوجود الاستعماري في الصحراء المغربية. وفي14 غشت1979 استرجع المغرب إقليم وادي الذهب إلى حظيرة الوطن. وقد تواصلت ملحمة صيانة الوحدة الترابية بكل قوة وإصرار لإحباط مناورات الخصوم، وها هو المغرب، اليوم بقيادة رائده الهمام باعث النهضة المغربية جلالة الملك محمد السادس يقف صامدا في الدفاع عن حقوقه الراسخة مبرزا بإجماعه التام استماتته في صيانة وحدته الثابتة ومؤكدا للعالم أجمع من خلال مواقفه الحكيمة والمتبصرة إرادته القوية وتجنده التام دفاعا عن مغربية صحرائه وعمله الجاد لإنهاء كل أسباب النزاعات المفتعلة وسعيه إلى تقوية أواصر الإخاء بالمنطقة خدمة لشعوبها وتعزيزا لاتحادها واستشرافا لآفاق مستقبلها المنشود. وفي سياق هذا التوجه الحكيم والإرادة الحازمة تندرج المبادرة المغربية القاضية بمنح حكم ذاتي موسع للأقاليم الصحراوية المسترجعة تحت السيادة الوطنية, هذا المقترح الذي أبرز جلالة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى الثانية والثلاثين للمسيرة الخضراء المظفرة المواقف الإيجابية التي خلفها على صعيد الأممالمتحدة والصدى الطيب الذي لقيه لدى الدول الصديقة والشقيقة حيث قال جلالته """"ومن هذا المنطلق، عمل المغرب، بنهج تشاوري، محلي ووطني وإجماع شامل، على تقديم مبادرة شجاعة للحكم الذاتي، مبادرة تستجيب للمعايير العالمية وتحترم الشرعية الدولية وتراعي خصوصيات المنطقة الثقافية والاجتماعية، وقد أسفرت جهودنا الإيجابية في بلورتها بروح المسؤولية والإقدام والواقعية، وكذا المساندة الدولية الواسعة لمبادرتنا البناءة عن توجه جديد في التعامل الأممى مع قضيتنا المصيرية، توجه صائب، قائم على استبعاد كل المخططات العقيمة السابقة بصفة قطعية, وهو ما تمثل في إصدار مجلس الأمن بالإجماع للقرار1754 الذي شهد للمبادرة المغربية دون غيرها بالجدية والمصداقية . وأكد جلالته في خطاب العرش يوم30 يوليوز2008 هذه الإرادة القوية للمغرب واستعداده الدائم لإنهاء النزاع المفتعل حول قضيتنا الوطنية الأولى أساسه مقترح الحكم الذاتي الموسع في ظل السيادة الوطنية بإيجاد حل سياسي واقعي توافقي ونهائي، حيث قال جلالته «تظل أسبقية الأسبقيات هي تحصين الوحدة الترابية للمملكة. وقد أسفرت الجهود الدؤوبة لدبلوماسيتنا المقدامة عن تطور ايجابي جوهري تجسد في تأكيد الإقرار الأممي بجدية ومصداقية مبادرتنا الشجاعة للحكم الذاتي والدعم الدولي المتنامي لأحقية المملكة في سيادتها على صحرائها وبعدم واقعية وهم الانفصال. وعلى هذا الأساس والتزاما بقرار مجلس الأمن1813 فإننا نجدد استعداد المغرب للتفاوض الجوهري بحسن نية وعلى كافة المستويات لإيجاد حل سياسي توافقي ونهائي لهذا النزاع الذي طال أمده ».