يعتبر التشريع السليم دعامة أساسية لبناء مجتمع ديمقراطي تسوده العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص والعدل والإنصاف وترسيخ دولة الحق والقانون والمؤسسات. كما يشكل رافعة رئيسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية تقوم على أساس التعادلية التي تضمن لجميع أفراد المجتمع الحق في الاستفادة من خيرات البلاد على قدم المساواة بعيدا عن اقتصاد الريع والامتيازات على حساب إقصاء الأغلبية الساحقة من المواطنين وتهميشهم وحرمانهم من حقهم في العيش الكريم. ويمكن القول إن المغاربة كانوا ضحية «التمييز التشريعي» في عهد الحماية عندما سخرت الإقامة العامة الفرنسية الأدوات القانونية للانتقام من المغاربة ومحاولة إذلالهم وتقزيمهم عبر محاكمات مخدومة كما هو الشأن بالنسبة لظهير 1935 المعروف: «بكل ما من شأنه» الذي استغلته السلطات الاستعمارية للزج بالوطنيين في السجون استنادا على هذا القانون الذي ظل سلاحا خطيرا حتى بعد الاستقلال لترهيب ومحاكمة المناضلين في الأحزاب الوطنية الديمقراطية، وفي مقدمتها حزب الاستقلال. كما تم تسخير الآليات القانونية في عهد الحماية لتمكين المعمرين من خيرات البلاد على حساب الشعب المغربي، واستمر هذا التوجه حتى في عهد الاستقلال. في هذا الإطار، يأتي الدستور الجديد بتوجهات جديدة تقوم على أساس دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون في ظل مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم، يأتي دستور حديث يجعل من مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة أساس النظام الدستوري المغربي في شموليتة، بما في ذلك تدبير الشأن العام وتنظيم المرافق العمومية بما يضمن المساواة بين المواطنين والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة في إطار المراقبة والتقييم لتدبير الأموال العمومية من طرف البرلمان الموكول إليه مهام مراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية إلى جانب التصويت على القوانين كما ينص على ذلك الفصل 70 من الدستور. ولضمان إقرار هذا التوجه الجديد الذي جاء به الاصلاح الدستوري، أوجب المشرع الدستوري عرض مشاريع القوانين التنظيمية التي نص عليها الدستور قصد الموافقة عليها من قبل البرلمان في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الحالية. ويتعلق الأمر بمجموعة من النصوص التنظيمية، منها ما تمت المصادقة عليها، ومنها مازالت تنتظر رغم طابعها الاستعجالي: وفي نفس السياق، نص المشروع الدستوري على مجموعة من القوانين التأسيسية تعتبر العمود الفقري لأي تنزيل حقيقي للإصلاح الدستوري والسياسي الذي أقره الشعب المغربي في فاتح يوليوز 2011، بما فيها القوانين التي تحدد بموجبها القواعد المتعلقة بتأسيس المنظمات النقابية وأنشطتها، شروط وكيفيات مساهمة الجمعيات بقضايا الشأن العام والمنظمات غير الحكومية في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية و تفعيلها وتقييمها، قواعد تنظيم وسائل الإعلام العمومية ومراقبتها، شروط تسليح الأشخاص المتابعين أو المدانين لدول أجنبية وشروط منح اللجوء، القواعد الكفيلة بضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة واستقرارها والمحافظة عليها، قواعد تأليف وصلاحيات وتنظيم وسير المؤسسات والهيئات المنصوص علهيا في الفصول 161 إلى 170 من الدستور، والتي تهم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الوسيط، مجلس الجالية المغربية بالخارج، الهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز، الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري ، مجلس المنافسة، الهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، وغيرها من القوانين التأسيسية التي تؤسس لمرحلة جديدة من العمل السياسي، والنقابي والجمعوي، الحقوقي، الأسروي، الاقتصادي، الاجتماعي والتعليمي. فأي مخطط تشريعي كفيل بالتفعيل الحقيقي للدستور انطلاقا من استراتيجية واضحة ومحددة يضمن إخراج القوانين التنظيمية إلى حيز الوجود قبل متم الولاية التشريعية الحالية كما ينص على ذلك الفصل 86 من الدستور؟ وهل تدخل القوانين التأسيسية المنصوص عليها في الدستور ولم يشملها الفصل 86 منه في هذا المخطط الاستراتيجي بالنظر لأهميتها البالغة في التفعيل الديمقراطي للإصلاح الدستوري؟ ولماذا لم ينص المشرع الدستوري على هذه القوانين التأسيسية ضمن أحكام الفصل 86 من الدستور مادام الهدف الاسمى هو جعل الأدوات القانونية في خدمة التفعيل الحقيقي والسريع للدستور؟ أسئلة وغيرها تطرحها متطلبات الديمقراطية المواطنة والتشاركية ومستلزمات التفصيل إلا مثل للدستور بما يضمن تحقيق التحول الديمقراطي المتميز في شموليته.