سميت سورة من سور القرآن الكريم بسورة الإسراء تخليداً لإحدى أعظم معجزات خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فبقيت تتلى على مر الدهور فيسجد القلب والعقل والروح والجسم لجلال الله تعالى وجماله المتجليين في عظمة هذه المعجزة، وقدرته الربانية الباهرة. قال عز وجل: (بسم الله الرحمان الرحيم سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الدي باركنا حوله لنريه من آياتنا. إنه هو السميع البصير)، (الإسراء: 1). وإذا كان ذكر الآيات التي أراها الله سبحانه لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم يتضمن إشارة إلى المعراج كذلك مع التصريح بالإسراء في هذه الآية، فإن السيرة النبوية الصحيحة المدونة وفق قواعد علم الحديث الدقيقة سجلت معجزة الإسراء والمعراج معاً كما في ما اختصره القاضي يوسف بن إسماعيل النبهاني في كتابه «الأنوار المحمدية من المواهب اللدنية» (ص 51، دار الفكر ) بقوله: «ولما كان في شهر ربيع الأول أسريَ بروحه وجسده صلى الله عليه وسلم يقظة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى إلى فوق سبع سماوات ورأى ربه بعيني رأسه وأوحى إليه ما أوحى وفرض عليه الصلوات الخمس ثم انصرف في ليلته إلى مكة فأخبر بذلك فصدقه الصديق وكل من آمن بالله، وكذبه الكفار واستوصفوه بيت المقدس فمثله الله له فجعل ينطر إليه ويصفه وكان ذلك بعد البعث بخمس سنين وقيل كان ليلة السابع والعشرين من رجب واختاره الحافظ عبد الغني المقدسي. وقيل ليلة الجمعة وقيل ليلة السبت». ونحن نحيي هذه الذكرى العطرة، لابد لنا أن نؤكد أن الإسراء والمعراج كان بجسد النبي صلى الله عليه وسلم وروحه الطاهرين، بخلاف ما زعمه البعض. وأن التصديق بهذه المعجزة الربانية واجب من واجبات الإسلام العقائدية. ولم يكن الإسراء والمعراج مناماً كما ادعى البعض كذلك، بل كان يقظة. وإلا لما كان في الإخبار به ما يجعل الكفار يكذبون لأن المنامات لا تكون مستبعدة في العقول حتى غير المؤمنة، بينما يستلزم التصديق بالإسراء والمعراج يقظة الإيمان بالغيب الذي هو من أبرز صفات المؤمنين وهذا ما لم يكن لدى الكفار فاستبعدوا بعقولهم القاصرة وقوع المعجزة - معجزة الإسراء والمعراج - يقظة. وآمن سيدنا أبو بكر الصديق ومعه باقي المؤمنين ، وهنا يكمن الفرق بين من أنار الله قلوبهم بنور الإيمان ومن لم يتجاوز نظرهم سطحيات هذا العالم المرئي. إن من أهم الدروس التي يستخلصها العلماء من هذا الحدث الجليل المعجز أن الأنس الإلهي، والتسلية الربانية، والإكرام الرحماني، تحف قدسية يهبها الله سبحانه لعبده أشد ما تكون حاجته إليها، فقد عانى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ما عاناه من صدود واضطهاد ثقيف وهو بالطائف يدعوهم إلى الله، وتوجه إلى ربه بذلك الدعاء الرائع المؤثر، فأكرمه الله عز وجل وآنسه وآواه وأتحفه بمعجزة الإسراء والمعراج التي مهما كتب حولها من مؤلفات، وما قيل فيها من كلام، تظل تختزن من الدروس والدلائل ما يظهر في كل عصر مع تقدم العلم والفكر البشري. وكذلك شأن كل معجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم.