شرع مجلس المستشارين في الدراسة والتصويت على مشروع القانون المالي لسنة 2012 على مستوى الجلسة العامة أمس الخميس بعدما أنهت اللجان البرلمانية الدائمة التابعة المناقشة والتصويت على هذا المشروع في ما يتعلق بالمداخيل وكذا الميزانيات الفرعية. وقد عرفت دراسة المشروع على مستوى اللجان ظاهرتين تطرحان أكثر من تساؤل بخصوص تركيبة مجلس النواب في ظل التحول الديمقراطي الذي دشنه الإصلاح الدستوري الجديد وتتمثلان في التصويت ضد مشروع الميزانية الفرعية لوزارة العدل ب 12 صوتا مقابل 10 وكذا تمرير تعديل يتعلق بإحداث ضريبة على الثروة في غياب الأغلبية المطلوب أن تكون سندا قويا للعمل الحكومي على مستوى المجلس في إطار التنسيق والتوافق والتعاون بين الحكومة وأغلبيتها كما هو معمول به في مختلف برلمانات العالم، وذلك على الرغم من أن هاتين الظاهرتين يمكن تجاوزهما على مستوى الجلسة العامة إذا ما توفرت الأغلبية البرلمانية مادامت أعمال اللجان تبقى أشغالا تحضيرية كما حصل ذلك أكثر من مرة خلال التجارب النيابية التي عرفتها البلاد منذ 1963. ومن المنتظر أن يتم التصويت على مشروع القانون المالي اليوم الجمعة في جانبه المتعلق بالمداخيل والجانب المتعلق بالميزانيات الفرعية بعد تدخلات رؤساء الفرق البرلمانية لتقديم وجهات نظرهم ومواقفهم واقتراحاتهم وملاحظاتهم بشأن مضامين هذا المشروع وقد تعاملت الحكومة مع تعديلات الفرق البرلمانية بإيجابية بقبولها خمس تعديلات استهدفت تحسين المشروع من حيث الملاءمة وكذا إعفاء الهبات والتحويلات لصالح الأحزاب السياسية من الضريبة انسجاما مع القانون التنظيمي للأحزاب. وهذا يعني أن مناقشة مشروع القانون المالي من طرف مجلس المستشارين كما صادق عليه مجلس النواب تبقى لها قيمتها المضافة في العمل البرلماني ليس فقط على مستوى تعميق النقاش والدراسة بل أيضا من حيث إغناء المشروع من خلال التعديلات التي يقدمها أعضاء مجلس المستشارين وتقبلها الحكومة خلافا لما هو معمول به في العديد من الأنظمة البرلمانية ذات الثنائية المجلسية التي تكون فيها الغرفة التالية مجرد غرفة لتمرير مشاريع القوانين المحالة عليها، خاصة فيما يتعلق بمشاريع الميزانية العامة. غير أن التركيبة الحالية لمجلس المستشارين لا تعكس متطلبات المرحلة الراهنة التي عرفت فيها البلاد انتخابات تشريعية لمجلس النواب سابقة لأوانها جرت يوم 25 نونبر أفرزت أغلبية نيابية جديدة انبثقت عنها حكومة جديدة في إطار توجهات مضامين الدستور الجديد، حيث لازالت تركيبة مجلس المستشارين ترجع إلى ما قبل الإصلاح الدستوري الجديد وما تضمنه من اختيارات وأحكام تجسد التحول الديمقراطي المنشود، مجلس تفتقد فيه الحكومة إلى الأغلبية البرلمانية المريحة التي لا يتجاوز عدد أعضائها 104 من أصل 270 مستشار برلماني ، أغلبية منسجمة ومتجانسة منبثقة من صناديق الاقتراع تشكل الدعامة الأساسية للعمل الحكومي بما يضمن التفعيل الأمثل للدستور ويعطي للتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية مدلوله الحقيقي ويضمن للمعارضة حقوقها الدستورية في القيام بمهامها على الوجه المطلوب في إطار احترام اللعبة الديمقراطية كما هو متعارف عليها في الأنظمة البرلمانية المعاصرة.