بعد زيارتي لبعض المناطق في إقليم "الشاوية" عاصمة الزراعة في بلدنا "المغرب" إتخذت قرارا بمد يد المساعدة لأهلها والمطالبة بحقوقهم قبل تفكيري بخطورة الوضع الراهن على مجال الفلاحة بأكمله التي يشجع عليها ملكنا الهمام والتي تعتبر كذلك من الموارد والمداخيل الأساسية لبلدنا وتوجيه تحذير لمن يهمه الأمر، نصحتني عائلتي وأغلب أصدقائي والمقرّبين مني ألا أفعل وحذروني من عواقب ذلك، كان بعضهم يرى أنني أزج بنفسي في معركة لست طرفا فيها، ويرى الآخرون ممن عارضوا الفكرة أنني سأخسر الكثير وسيصبح لي أعداء كثر وأنا التي يحبني الجميع وهذا كرم من الله عز وجل، ولم يكن لي عدو واحد قبل دخولي لعالم الصحافة. على الجانب الآخر كنت أرى الأمر أكثر خطورة، خاصة وأنني أعلم علم اليقين أنه بعد اضطرار الفلاح البسيط لبيع أرضه غصبا بعد أن أصبحت بورا بسبب المحاجر التي تلوث المحاصيل وتلوث جو المنطقة بأكملها، وهذا الوضع جعل المناطق المزروعة تتقلص رويدا رويدا، وبدءا من موقفي بوضوح من قضية المحاجر الموجودة من مدة في منطقة "الشاوية" عندما تركت جيش الأطفال المرافق لي على الجانبين ووقفت كأنثى لوحدي أمام عربتي نقل كبيرتين في وسط الطريق لمنعهم من المرور بعد أن افتكرت في آخر لحظة أن إحداهما ستدهسني ولم يفضل بيني وبين عربة النقل الأولى إلا أقل من خطوة ووقفت في وقتها أدرت وجهي وذكرت الشهادتين عندما وجدتها على مقربة مني ولازالت تسير لكي لا أرى منظرها وهي تدهسني ووقفت في آخر ثانية، وكل هذا لماذا لأن العمال لم يريدوا أن يتكلموا معي خوفا من أرباب عملهم، نظرا لجهل العمال والفلاحين في "المغرب" بكيفية المطالبة بحقوقهم التي يضمنها الدستور لهم وتضمنها كذلك حقوق الإنسان، وكل خوف العمال يتجلى في الطرد التعسفي وعدم إيجاد عمل لجني لقمة عيشهم. وخشيت كإنسانة أولا وكمغربية أعتز ببلدي أن تقودنا هذه الأزمة الخامدة إلى ما لا يُحمد عقباه, فقد كنت بين نارين، أن أفكر في الأمر سياسيّا وأحسب المكاسب والخسائر الشخصية، وأن أفكر في الأمر منطقيا وألا تأخذني لومة لائم في الصدع بالحق الذي أعتقده وأعرفه تمام المعرفة. وقد قررت في النهاية غير نادمة على اختيار المسار الثاني وتحمّل تبعاته، لأنني لم أكن أبحث سوى عن هدف واحد فقط وهو كشف الفساد ونصرة الحق الذي أسعى للدفاع عنه بكل ما أوتيت من قوة وعلم، ولينتقدني من يريد بأنني أهاجم المحاجر ومستثمريها الأثرياء لأن هذا الأمر لا يعنيني بالمرة، كل ما يعنيني فقط أن يستريح ضميري، وأن أكون نصيرة للحق ولا شيء آخر سوى إظهار الحق.. لقد زرت أحد الدواوير رغبة من أحد ساكنيها الذي عبر لي عن مشكلتهم المتمثلة في مرضه وأهله بالحساسية على مستوى الرئة وفي أعينهم نظرا لغبار الأتربة والكيماويات التي ترميها عليهم محاجر إبتدأت ب 1 وقاربت الآن على 10 ويتأثر منها دواوير كثيرة، كان سبب زيارتي إنسانيا لا غير وعندما ذهبت وجدت أن المشكلة تتعدى أهل هذه المنطقة، لأن "المغرب" بأكمله يعتمد على زراعتهم وتعتبر الحبوب وخاصة القمح هو المنتوج رقم واحد في هذه المنطقة ويستخدمه جميع المغاربة وأريد أن أنوه بأن جزءا منه ملوثا الآن من جراء "الأتربة" ورائحة "الزفت" التي تأتي من هذه المحاجر "الكاريانات" الكارثة التي ستوصلنا إلى إنتاج محاصيل زراعية غير سليمة وسعرها رخيص جدا. وعند سؤالي لأحد مصادري وهو فلاح يستأجر أرضا ويزرعها قال لي أنه خسر 2000 صندوق في 3 أشهر أي ما يعادل 50000 درهم خسارة نظرا لفسادها. ولاختبار الموضوع بالعين المجردة أخذت سنابل القمح والعدس والفول من إحدى الأراضي البعيدة وجدت شكلها فقط تشتهيه الأنفس ما شاء الله وأكلتها أنا وأصدقائي الأطفال ونحن نتمشى بين الحقول تركت القليل منها وقارنتها بمحصول أرض المصدر القريبة من "الكاريان" فوجدت مرض النبات بادي على الفول والعدس ووجدت سنابل القمح يابسة وخاوية على عروشها، فأين وزارة الزراعة من المراقبة الدورية لمحاصيل تعتبر الأكثر شراءً واستهلاكا في "المغرب"؟ وإن كنا نصدرها لأوروبا فالإتحاد الأوروبي يختبر كل المحاصيل التي يستوردها بدقة وهذا يستبعد نهائيا تصديرها خوفا على إسم بلدنا في السوق، وفي نفس الوقت لا أريد أن تظهر علامات المرض مستقبلا على "المغاربة" مستهلكي هذه المحاصيل المليئة بالغبار والكيماويات التي يقول أحد الأطباء أنها ممكن أن ينتج عن استهلاكها مرض السرطان. أما الفلاحين الموجودين بجوار "الكاريانات" فلقد أصبحوا لا يطيقون سماع الصوت الذي يرافق تفجير المواقع لاستخلاص الأحجار، وأصبحوا لا يطيقون رائحتها الكريهة التي تتعب صدورهم وأعينهم وجلدهم والله أعلم ماذا بعد ذلك !!!. ومن المهم أن يعلم الجميع أن نسبة كبيرة من هذه المحاجر آخذه بالإنتشار بشكل عشوائي وغير منظم أو مدروس، دون مراعاة لصحة المستهلكين والبيئة وقواعد التنمية المستدامة، حيث أصبحت المحاجر تشكل خطرا ً صحياً وبيئيا ً على أهل المنطقة والنبات والحيوان والمغاربة عموما. ومما لاشك فيه فإن هذه المحاجر شوهت الشكل الطبيعي لهذه المساحة الخضراء التي من دونها ترى منظرا وكأنها لوحة مرسومة وطبعا هي مرسومة من مبدع الكون وتريح الأعين فعلا، وهذا يستدعي الإسراع في إيجاد حلول سريعة ودائمة لهذه المشكلة الكبيرة التي نتج عنها مشاكل أخرى ومنها صحة ساكني منطقة "الشاوية" القريبين من هذه المحاجر والذين أصبح أغلبهم يعاني من حساسية الصدر والأعين، زيادة على أن أشكال الأشخاص الذين يعملون بها أو الذين يعملون بجوارها إختلفت عن السابق، فقد أصبحوا يشبهون الأشخاص الذين لديهم إعاقة غير كاملة، وكذلك تشقق البيوت التي تبعد عنها بأقل من 5 كيلومترات كما أراني ساكنا عاديا في أحد الدواوير القريبة من هذه المحاجر الكارثة. ولذلك لابد من إجراء دراسات من أجل استغلال واستثمار مورد المحاجر بشكل سليم ومستدام ضمن خطة مدروسة مع الحفاظ على صحة الموارد البشرية والبيئة والتنمية الإجتماعية والإقتصادية، والعمل على إجراء تقييم للأثر البيئي، وبيان الطريقة السليمة بخصوص مواقع وجود الصخر الطبيعي وإنشاء "الزفت" الصالح للإستخدام في الطرقات، وإنشاء المحاجر في مواقعها المناسبة مثل الجبال البعيدة عن السكان والزراعة. ولابد من إيجاد الوسائل الكفيلة للحفاظ على البيئة، ومنع غزوها للأراضي الزراعية والتجمعات السكانية، ووضع خطة لتأهيل المحاجر المتروكة، والإستفادة منها وتوعية المجتمعات المحلية في جميع المناطق وخصوصا الزراعية منها. أريد أن أنبه إلى أن هناك علاقة بين مرض الربو ووجود "الكاريانات" كما ذكر مختصون في عالم الطب بعد سؤالي عن سبب مرض أهل هذه المنطقة بحساسية الصدر، فقد قال لي معظمهم أنها بداية مرض الربو، وأريد أن أعلم من يهمه الأمر إلى أن هذه المنطقة تفتقد إلى مستشفيات يوجد إثنين صغيرين بعيد جدا عن أهل هذه المنطقة أحدها تابع للوزارة الوصية التي أنبهها بأن ممرضيه يبيعون كل الأدوية المجانية ويعاملون المرضى بطريقة قاسية جدا، وهناك مستشفى آخر يعاملون فيه جيدا وهو خيري لشخص إسمه "م" بمنطقة "الركادة" وهي بعيدة عنهم قليلا لأنه لا توجد مواصلات من الأساس تربط بين هذه الدواوير ماعدا أشخاص يعدون على الأصابع لديهم سيارات يقومون بنقل جيرانهم بالمقابل، وحتى هؤلاء ليسوا رهن الإشارة طول اليوم نظرا لمشاغلهم العادية وكذلك لأنهم لا يريدون أن يخسروا أنفسهم وسياراتهم لأن الشارع الرئيسي صغير ومكسور وبه حفر كثيرة جراء مرور عربات النقل الكبيرة التي تحمل الأحجار و"الزفت" والتابعة لهذه "الكاريانات" الكارثة... ولمزيد من التوضيح فإن الضجيج الناتج عن العمل في هذه "الكاريانات" هو أحد أسباب هجرة بعض الطيور وخصوصا المغردة منها... ومن منبرنا هذا نطالب بوجود مؤسسات وطنية مختصة تعمل على تحديد المواقع الصخرية، والعمل على وضع خطة سليمة وقوانين تسمح بإنشاء محاجر في مواقعها المناسبة لكي لا تأتي على الأخضر واليابس. لأن المشكلة إبتدأت بتبوير الأراضي التي كانت تطعمنا من محاصيلها، وبعدها تم إغراء أصحابها وتم بيع الأراضي لأصحاب هذه "الكاريانات" التي يوجد من بينهم رجل أعمال شهير وبرلماني سابق يدعى "ق" وآخر يدعى "م" ولكننا لا نستطيع لومه لأنه كان يربي الدواجن في أرضه التي تجاور أرض الشخص الأول لكن نظرا للأتربة والغبار ورائحة الزفت قتلت كل الدواجن التي كان يمتلكها، وبعد طلب الأول لشرائها عدة مرات اضطر "م" لعملها "كاريان" جديد بدل بيع أرضه، وهناك رجال أعمال آخرون يمتلكون "كاريانات" أخرى دون التفكير في تنمية منطقة فقيرة مثل هذه لا تملك سوى مسجد ومدرسة حتى الإعدادية تتواجد في مدينة "بن احمد" البعيدة عنهم. وقد حملتني فتيات هذه المنطقة رسالة وجب إبلاغ من يهمه الأمر بها وهو مشكلة الهدر المدرسي الذي يعيشونه لأنهن يتمنين إتمام دراستهم ولكن أولياء أمورهن يخرجونهن من آخر فصل في المدرسة الإبتدائية أو من أول سنة في الإعدادية التي توجد في "بن احمد" كما سبق الذكر، نظرا لبعدها وعدم وجود ثقة في الأشخاص الذين سيقابلون بناتهم البريئات. ووجدت حالة نادرة وجهت لي رسالة وهي فتاة تبلغ من العمر 8 سنوات وهي هادئة وجميلة جدا وشعرها جميل ما شاء الله، وقالت لي أنها تحب الدراسة وتريد أن تعيد إليها لكن مدرستها التي تدعى "مينة" كانت تضربها كل يوم وتشدها من شعرها أمام الجميع ولذلك أخرجها والدها من المدرسة وهي تجلس غاضبة لوحدها بانتظار صديقاتها وبنات عمها إلى أن يعودوا لكي تلعب معهم، وأتساءل ماذا سيكون مصير هؤلاء الفتيات الصغيرات دون إتمام دراستهم؟ هل سيصبحون عند كبرهم أمهات واعيات يربين جيلا واعيا ومتعلما؟ أم سيفشلن في دعم بلدهن بإنتاج جيل غير واع وغير متعلم وخصوصا أن أولياء أمورهن يعتبرونهم فاشلين من الآن ويقولون أنهم بعد ذهابهم للتعليم وخروجهم من المدرسة أصبحوا غير شاطرين في مساعدة أهلهم في البيت وهم ليسوا أقوياء مثل الغير المتعلمين. أتريدونا أن نصل إلى هذا الرأي الخاطئ عند الأهل؟ بالنسبة لي لا أتمنى أن يكمل هؤلاء الفتيات دراستهم لكي يستفيدوا ويستفيد منهم أهلهم ويستفيد منهم بلدهم بعد ذلك. وأوجه نداءا من هنا إلى كل رجال الأعمال الذين يتباهون بالأعمال الخيرية في المدن فقط، المقصود من العمل الخيري هو إرضاء رب العالمين وليس جهات معينة أو تغطية على شيء ما، ولهذا نطالبكم بمساندة ملكنا نصره الله وأخذه قدوة لكم والذهاب إلى القرى والمناطق النائية فهي أكثر إحتياجا لأعمالكم الخيرية وهباتكم. اللهم إني بلغت اللهم فاشهد...