تحتفظ الذاكرة الشعبية بشيوع ظاهرة «النوار» أي أداء مبالغ من تحت الطاولة ما أنزل الله بها من سلطان كشرط مسبق للاستفادة من خدمات إجتماعية نفترض أن مقابلها محدد قانوناً أو متفق عليه إذا تعلق الأمر بعقود أو خدمات خاصة. ولعل أكثر القطاعات خضوعاً لهذه الظاهرة التي يسمونها ب «النوار» وأسميها ب «السرقة الفنية» هي قطاع العقارات، إذ حين يرغب الواحد منا في كراء بيت أو اقتناء شقة فإنه يجد نفسه ملزماً بأداء مبلغ إضافي يحشر في باب «النوار» وإلا ضاع منه البيت والشقة. لكن المثير حقا للحنق والاستفزاز هو انتقال ظاهرة النوار إلى قطاع الصحة في عدد من العيادات الخصوصية حيث يساومونك بين الدفع أكثر أو الموت. نقول العيادات الخصوصية لأنه لا مجال للحديث عن المستشفيات العمومية التي يهرب منها المرضى وتنعدم بها كل الوسائل العلاجية. فقد تتطلب وضعيتك الصحية المتردية، - لا قدر الله - اللجوء إلى إحدى المصحات الخاصة بالعاصمة الرباط التي أصبح الاستثمار فيها عملية مدرة للأرباح الطائلة على حساب صحة وسلامة عباد الله. فبعد البحث عن الطبيب المعالج والاتفاق على المصحة، وتحضير وثائق التأمين اللازمة وتحديد المستحقات الواجب أداؤها.. بعد كل هذه الرحلة السيزيفية يفاجأ المريض بضرورة أداء مبلغ خاص للطبيب المعالج وأن يكون ذلك نقداً حتى يبدأ علاجه. إنه فعلا استنزاف فظيع للمرضى خاصة إذا علمنا أن مبلغ ولوج مثل هذه المصحات غالباً ما يكون باهظاً.. وأنه مرتبط بقطاع يرتبط إسمه بالحكمة والتضحية. ولا نتحدث هنا عن صور الاخلال ينود العقد داخل هذه المصحات، ولا كيف أصبح بعضها فنادق خمس نجوم لمن يدفع أكثر. إنها صورة مشوهة لما أصبح عليه الواقع الصحي الحالي بالمغرب، أي بعد أن تسلط عليه من لا يقدرونه حق قدره.. وكلنا نتذكر موقف المسؤولة الأولى السابقة عن القطاع التي على الأقل انتبهت لما يحدث ولو متأخرة وبادرت إلى مراسلة الأمانة العامة للحكومة بشأن إغلاق 13 مصحة خصوصية تتاجر في الموت... وما جره ذلك عليها من ويلات ومصائب.