إنسحب الوفد المغربي من مراسيم تشييع جثمان الراحل أحمد بن بلة بسبب الحضور البروتوكولي لوفد من البوليساريو يقودها محمد عبد العزيز رئيس الجبهة. و كان الوفد الرسمي المغربي الذي مثل المملكة في مراسيم التشييع مشكلا فضلا عن رئيس الحكومة و مستشار جلالة الملك الطيب الفاسي الفهري من قادة المقاومة وجيش التحرير من رفاق الراحل عبد الرحمان اليوسفي ومحمد بن سعيد آيت يدر ومحمد أجار سعيد بونعيلات رئيس المجلس الوطني لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير . و بغض النظر عن وجاهة القرار المغربي بالانسحاب من الشطر الأخير من مراسيم تشييع الراحل بن بلة بعد ظهر الجمعة الماضي بمقبرة العالية بالعاصمة الجزائرية , يبدو أن الحادث البروتوكولي قد شكل مادة دسمة لتعاليق الصحافة الجزائرية على وجه الخصوص و هو ما ينضح بحقائق لا يجب أن تهمل في ترتيب تبعات الوقع الديبلوماسي للحظات عارضة في مسار علاقات دولتين جارتين لا يمكن الجزم بأن " خللا بروتوكوليا بسيطا " تسلل بعفوية أو بسابق علم و ترتيب الى طقس جنائزي يكتسي خصوصيات دالة في ثقافة و ثتقاليد البلدين من شأنه أن يخلخل منظومة العلاقات التاريخية و الراهنة بين الحكومتين و الشعبين . الاعلام الجزائري المقرب من دوائر السلطة إنتقد بشدة الانسحاب المغربي و هناك من إعتبرته بالاهانة المبطنة للحكومة و الشعب بالجزائر الشقيقة على إعتبار أن طقوس العزاء في الموروث الشعبي و الديني للمجتمعين المتقاربين بضفتي الحدود تنأى بالمشارك في واجب العزاء عن إبداء إعتراضات على طبيعة و مركز و خلفية بقية المعزين أو المشيعين . الأشقاء بالجزائر يستحضرون ذاكرة مشاركة الرئيس بوتفليقة في مراسيم تشييع المغفو له الحسن الثاني , حيث كان مضطرا في خضم الموكب الجنائري المهيب الى مصافحة رئيس حكومة الكيان الاسرائيلي إيهود باراك في لقطة سلطت عليها في حينه أضواء الاعلام الأجنبي بتركيز , دون أن يبادر ممثلو الجمهورية جينها الى الانسحاب أو الاحتجاج بالنظر الى خصوصية و حساسية اللحظة . مبدئيا لا يمكن إلا أن نتفق مع جانب من طروحات الزملاء في الصحافة الجزائرية المتعاملة مع واقعة الانسحاب لكن هذا لا يمنع من التفصيل في جزئيات الخطأ البروتوكولي الفادح الذي كان بامكان منظمي البرنامج الجنائزي تفاديه بالقليل من الكياسة و اللباقة . فحضور عبد العزيز المراكشي لمراسيم التشييع هو حضور باسم حركة إنفصالية مسلحة و ليس باسم دولة طالما أنه لا وجود رسمي بالمنتظم الدولي لكيان وهمي يسمى بالجمهورية الصحراوية و بالتالي فإن تعمد وضع شخص ممثل الكيان الانفصالي في مقدمة طابور المعزين الى جانب رؤساء بقية بلدان المغرب العربي يمثل في واقع الأمر إستفزازا مباشرا للمغرب الذي بوىء ممثله رئيس الحكومة مكان على هامش الصف الأول و هو ما يؤكد نية مبيتة لفرض زعيم الانفصاليين في مركز يضاهي مركز رئيس حكومة دولة ذات سيادة و جارة و عضو في الاتحاد المغاربي بل و أكثر من ذلك ممثل دولة تسعى بكل ما أوتيت من حسن نية الى ترسيخ و تطبيع علاقاتها مع الاشقاء في الجزائر . إن المكانة البروتوكولية المبالغ فيها التي تعمد منظمو المراسيم الجنائزية إيلائها لزعيم الانفصاليين في صدارة المشيعين هي من إستفزت في حقيقة الأمر الوفد الرسمي المغربي و معه مشاعر المغاربة أجمعين الذين فوجئوا برئيس حكومتهم يبوأ في مركز يعكس نوعا من الازدراء و التهميش إن لم نقل أن السيناريو كاملا لا يعدو أن يكون مقلبا ديبلوماسيا جديدا تعمد البروتوكول الرئاسي لقصر المرادية حبكه بعناية لتسويق صورة إستعراضية وهمية لزعيم الانفصاليين و هويتحدى بكبرياء و عجرفة بارزة في صور مراسيم التشييع للشعور المغربي . لا يبدو أن حادث مقبرة العالية سينسف هذه المرة جهود التقارب بين البلدين الجارين لكنه في المقابل سيظل ماثلا في جزئيات الذاكرة المشتركة للبلدين و سيعكس بالضرورة الى أي مدى يتجرأ حكام الأوراسي على تقويض هذه الجهود و إجهاضها بممارسات يتعين الخوض في تفاصيلها الخفية لادراك حقائق التعامل المجحف و غير المنصف لحكام الجزائر مع الوضع الاعتباري للمملكة و مؤسساتها . و بين هذا وذاك ستستمر القافلة لأن مقام المناسبة لا يسمح بالغوص في الكثير من التفاصيل المقرفة.