كما أن للمغاربة في كافة المجالات عادات وتقاليد وأعرافا مختلفة ومتنوعة تتناسب مع أجواء المغرب وطقسه ومناخه وهوائه وبرودته وحرارته وتضاريسه وسهوله وهضابه وجباله وأنهاره وأوديته وشعابه وعيونه وبحاره وقبائله وبواديه وحواضره ومدنه وقراه ودوره ومساكنه وطرقاته ومسالكه فإن ثقافاتهم هي الأخرى متعددة الأشكال ومختلفة الأنماط ومتنوعة المشارب والأذواق ومن أهم الثقافات المغربية المهتم بها والضاربة جذورها في الأعماق الثقافة الأمازيغية التي تعتبر نوعا من أنواع الثقافات المغربية المتأصلة في الوجدان والمحفورة في الذاكرة وهي ثقافة أصيلة لها مكانتها المتميزة في الساحة الوطنية لكونها انصهرت منذ القدم مع أختها الثقافة المغربية العربية الأصيلة المزينة للساحة الوطنية والمجملة للمشهد الثقافي المغربي الأصيل فالثقافتان معا تشكلان وحدة ثقافية موحدة ومنسجمة ومتعايشة ومترابطة تتنفس برئة واحدة وتتغذى بغذاء واحد وتستقي من معين واحد يتلقفها الجميع ويعانقها الكل حتى أسرت القلوب وسرقت الأضواء وأخذت مأخذها من النفوس وسلبت العقول والطباع وامتزجت بلحومهم وجرت في عروقهم مجرى الدم واختلطت بشرايين حياتهم وهوائهم الطلق كما التصقت كلها بجلودهم حتى أصبحت جزء من حياتهم وثقافتهم الشعبية العامة وحتى قلما تجد أو ربما لا يوجد في مجتمعنا من ينكر فضل الثقافة الأمازيغية في تزيين المشهد الثقافي المغربي الأصيل وإثرائه بالتنوع الثقافي والتراث الشعبي وكان لتداخل هذه في هذه الأثر البارز في إنشاء ثقافة هادفة توازن بين الروح والمادة وتزاوج بينهما في قرن ووئام والمزاوجة بين الثقافتين لتكون ثقافة مغربية واحدة ذات أشكال وأنماط موحدة كان لابد من مراعاته وافتعاله لأن كل واحدة منهما تكمل الأخرى وتأخذ منها بالتبادل لأن جذورهما متأصلتان ومغروستان في تربة واحدة خصوصا والمغربي الأمازيغي النشأة والمنبت يستقي من معين المغربي العربي النشأة والمنبت والعكس بالعكس المحمود كان الآخر ناهيك عن التلمذة والمشيخة المتبادلة حتى كان لهذا الامتزاج والاختلاط والانصهار فاعلية وحركية وانسيابية وسلاسة ثقافية متدفقة متآخية وهادئة أضفت على الساحة الوطنية المغربية أنواعا من الدفء والظلال والجمال الثقافي المختلف المنسجم المتناغم المتداخل الرصين المندمج والمصبوب في بوتقة واحدة والسر في استمرار هذا التفاهم وهذا التمازج والتعايش والانسجام والتوحد والتكتل والتآخي هو تشبث المغاربة بالدين الإسلامي الحنيف والثوابت الوطنية والمقدسات المغربية والملكية الدستورية وإمارة المؤمنين وفي هذا السياق نقرأ القرآن الكريم بأنغام ومقامات وصيغ مغربية جميلة تليق بقدسية كلام الله فتنسجم القراءة الجماعية وتخرج من مشكاة واحدة مع وجود اختلاف محمود في طريقة الأداء والنغمات الصوتية ناشئة عن تأثيرات التربة والبيئة المحلية ومن الطلبة والفقهاء من يجيد تقليد كل أنواع المقامات وبالتلاوة الفردية يكون الاختلاف المحمود كذلك لتنفرد كل مدرسة بصيغتها ومقاماتها الصوتية الجميلة الممثلة للمنطقة المنحدر منها صاحب الصوت والحنجرة الذهبية للقارئ المغربي مع إثبات بصمة الإيقاعات المغربية المشتركة بين الأمازيغية والعربية التي تبقى أمواجها القرآنية المرتفعة بالمد الصوتي المتعالي بالرنات الحنجرية الصادحة بكلام ربنا السارية في الآفاق والأجواء المغربية الصافية الهادئة حاضرة لتملأ الكون ومجالس الناس مسكا وطيبا فتقشعر أعضاؤهم حسا ومعنى أما في الحديث والمواعظ والتربية النفسية والوعظ والإرشاد والتوعية الدينية وقواعد اللغة العربية بصرفها وإعرابها وكافة موادها ومتعلقاتها والتفسير القرآني والفقه واستنباط الأحكام لا يمكن للمرء أن يفرز بين الفقيه المغربي الأمازيغي وبين الفقيه المغربي العربي بل تجد بعض فقهاء الأمازيغ يتقنون اللغة العربية أحسن من العربي المغربي فالآن لا نستطيع أن نميز بين اليزيد الراضي في تارودانت ولا بين المصطفى بنحمزة في وجدة ولا بين عباس الجراري بالرباط ولا بين رضوان بنشقرون في البيضاء ولا بين لحسن أكسنفل في تمارة ولا بين الحسين مفراح بالمحمدية وهكذا دواليك والنماذج متعددة وكثيرة وكان العلماء من الوطنيين في حزب الإستقلال من قد زاوج بين التكلم الفصيح باللغة العربية وأختها الأمازيغية مثل الشهيد عبد العزيز بن إدريس الذي اغتالته يد الغدر وهو في طريقه إلى منطقة تحناوت لترأس اجتماع حزبي في ظروف كانت جد قاسية للغاية في محن وفتن الخمسينيات هذا الشهيد رحمه الله ألف كتابا في السيرة النبوية الشريفة على طريقة سيرة ابن هشام لكن باللغة الأمازيغية وبالحرف العربي الأصيل واسم الكتاب « أخبار النبي صلى الله عليه وسلم » « إنغميسن ن النبي غيفس تزاليت ن ربي » وكان الوطنيون لا يدخرون جهدا في الدفاع عن اللغة الأمازيغية لإبراز فوائدها ومنافعها مثل الأستاذ محمد بوستة والمحجوبي أحرضان وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الكريم غلاب ومحمد السوسي وغيرهم كثير وفي دفاعهم عنها لم يكن غرضهم تسييسها ولا استغلالها ولا اتخاذها مطية لتأليب هذا الفريق على الآخر كما يفعل بعض المتعصبين الذين هم في الأصل يكرهون الإسلام ويكرهون القرآن لأنه نزل بلغة العرب في حين أن القرآن ولو نزل بلغة قريش فقد احترم كل اللغات واللهجات وراعى ألسنة الناس حتى لا يكون النطق ببعض الحروف وبعض الكلمات ذات نفس المعنى والحكم صعبة أو ثقيلة عليهم ولذلك نزل على سبعة أحرف ليحتوي كل المصطلحات النافعة ولذلك نجد في قواميس اللغة أهل نجد ،وهذيل ،وتميم ،والحجاز يعربون كلمات وينطقون بها بطريقة تختلف بها كل قبيلة عن الأخرى وعلى هذا الأساس نجد التسهيل والإبدال والتخفيف والمد الطويل والقصير والمتوسط والتفخيم والترقيق والهمس والجهر واللين والشدة والإطباق والانفتاح الخ كما أن معظم المغاربة يتكلمون باللغتين معا العربية والأمازيغية ولا إشكال عندهم في هذا الأمر ويسهل هذه المهمة وهذا الأمر رابطة الإسلام والوطن وتمغربيت الصادقة والمصاهرة والمخالطة والمجاورة والمزاوجة والمؤاخاة والمعاملات وتبادل المنافع والفوائد إذ لا عصبية ولا رهبانية ولا عنصرية في الإسلام وكان المستعمر قد حاول إشعال فتيل الفتنة القبلية والعنصرية البغيضة لإثارة النعرات السياسية والعصبيات القبائلية والقومية والعشائرية في المجتمع المغربي ولكن كل محاولاته اليائسة باءت بالفشل ومنيت بالهزائم والكل يتذكر إثارة عصبية ونعرة محاولة التفريق والفرز بين المغاربة العرب والمغاربة الأمازيغ من خلال الترويج لفكرة إنشاء الظهير البربري في سنة 1930ولكن المغاربة بوطنيتهم الصادقة واجهوا هذه المؤامرة بترديدهم دعاء اللطيف في المساجد وخارجها وكلهم يقين في أن دعوة المظلوم لا ترد «اللهم يا لطيف نسألك اللطف فيما جرت به المقادير اللهم لا تفرق بيننا وبين إخواننا البرابر» فاستجاب الله بجمع الشمل ولم الشعث وتوحيد الكلمة فبقي الأمر والحمد لله على ما هو عليه من صفاء ومودة ومحبة والفة ووئام الى الآن بل ازداد أمرنا تماسكا وتقاربا ومعايشة وجاء دستور جديد ليهتم بالقضية الأمازيغية اللغوية أكثر بالتنصيص عليها في الدستور كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية ولسنا مجانبين للصواب إذا ما قلنا إن اللغة المغربية الأمازيغية هي الأخرى لغة يفهم بها القرآن وهي جزء من لغة القرآن وهنا لا بد من التذكير بجمالية وروعة الشعر الأمازيغي المتحدث عن العظمة الإلهية وعن التوحيد وعن رسالة الإسلام ودعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعن القرآن وفصاحته وعن سيدنا محمد وأخلاقه وتواضعه وعن صحابته الكرام وعن الطبيعة وأسرارها وعن المياه العذبة والمالحة وفوائدها وعن الجبال الشاهقة المكسوة بالثلوج ومناظرها الخلابة والخازنة للمياه حتى تتوزع على تراب البلد كما يريد الله وعن الغابات وأكمتها وكثافتها وهدوئها و أشجارها وترامي أطرافها وتمايل أغصانها المتواضعة المثقلة بالثماروالفواكه المختلفة وعن المواشي والحيوانات المختلفة السارحة في الفلاة المتوكلة على الله وهي تسرح وتمرح وتأكل وتشرب وترعى العشب والكلأ وعن الطير المسخرات في جو السماء الغاديات الرائحات وزقزقتها وعن شلالات المياه المتدفقة من كنوز الجبال وصخراتها الصماء وعن الهواء الدافيء الظليل والنسيم العليل فالشعر الأمازيغي يرسم لوحات معبرة فاتنة وجذابة وأخاذة وساحرة تحيي في نفوس الشعب المغربي الشجون والأشواق والأمل والتطلع للمستقبل الزاهر وكلمات الشعر الأمازيغي موزونة ورصينة وهادئة وهادفة وقوية وذات إيقاع جميل يهز القلوب ويحرك الأفئدة والأوتار ويجذب الأسماع ويحلي الأذواق وعلى ذكر الشعر الأمازيغي لا بد من الإشارة إلى الأغنية المغربية الأمازيغية ذات الكلمات الحية والمعبرة واللحن الجميل والتي يتغنى بها فنانون مغاربة أمازيغ لهم أصوات عالية وصافية تزينها موسيقى دافئة وعود وبندير ونقر طارا يتمدد صداها ويتعالى عبر الجبال والفلاة والصحاري والفيافي والسهول والهضاب فتنشرها الرياح وتشتتها وتدفع بها نحو مسافات طويلة ليستمتع بها أكثر عدد ممكن من الناس السامعين لتلقي بظلالها على النفوس الظامئة فتروى وعلى المضطربة فتهدأ وعلى الغاضبة فتسكن وعلى المتعبة فتستريح وعلى اليائسة فتأمل وعلى الكئيبة فتنشط وتبسم وحتى الموسيقى المغربية لا تخلو من بصمة وإيقاع الموسيقى الأمازيغية كما أن الموسيقى المغربية الأمازيغية لا تخلو هي الأخرى من دقة وبصمة الموسيقى المغربية العربية وهي محاكاة ومضاهاة مغربية أمازيغية عربية أفرزتها أواصر الأخوة والعلاقات الوطنية المغربية المشتركة التي لا يمكن تغييبها ولا إلغاؤها ولا إقصاؤها بل لا بد من مراعاتها في المقام الأول ونجد كذلك الثقافات المغربية متجلية في العادات والتقاليد والأعراف والموازين والقيم وفي اللباس والأزياء وطريقة الاحتفالات بالمناسبات الدينية والوطنية ففي اللباس يتميز الرجل الأمازيغي باللباس الرجولي المعبر عن الفحولة والقوة والشجاعة والغيرة والأنفة وهي صفة يشاركه فيها الرجل المغربي العربي مع اختلاف طفيف في اللبسة أما المرأة المغربية الأمازيغية الشلحة فلها لباسها وزيها المميز لأنوثتها وبلدتها ومنطقتها وهو لباس حشمة ووقار وستر وهناك أخريات يرتدين ألبسة تقليدية عصرية غير خادشة ونفس الحال بالنسبة للمرأة المغربية العربية وفي الختام أقول أن اللغة الأمازيغية والثقافة الأمازيغية هي ملكية مشتركة لكل المغاربة كما أن اللغة العربية والثقافة العربية هي ملكية مشتركة لكل المغاربة والذي يفاضل بينهما أو يوحي للأطراف المعنية أن هذه مظلومة ومقصية ومهمشة سواء كان الحديث موجها للعرب المغاربة أوالأمازيغ المغاربة لا شك في أنه مريض بالعصبية السياسية أو حاقد وناقم يبحث عن زعامة بإثارة فتن والفتنة نائمة لعن الله من يوقظها والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.