الفلاح الذي نعرفه دائما سعيداً مبتهجا مرتبطا بأرضه وحقله لم يعد كذلك.. فقد حلت الكآبة لديه محل الابتهاج وأصبح ينظر إلى حقله نظرة ولنفسه وعيونه مرفوعة إلى السماء في انتظار رحمة الله التي لا ينضب معينها. هاهي البلاد تستبد بها سنوات عجاف توحي بعودة شبح الجفاف بعد أن شحت السماء وغاب المطر وأُتلفت منتوجات الأرض الفلاحية، وأصبح علينا أن نستورد الحبوب وما يلزم لتأمين حياتنا الغذائية. الماشية بدأت تنفق لأنها لا تجد ما تقتات به، وأصبح أصحابها من الكسابة يعرضونها للبيع بأبخس الأثمان ولا تجد من يشتري. إنها لوحة مضببة حتى لا نقول سوداء للقطاع الفلاحي في بلد نقول إنه بلد فلاحي بالدرجة الأولى، وفي ظل سياسة المغرب الأخضر الذي ظل يعد المغاربة بالجنة في أرضهم. ومن المنتظر حين يقع الفأس على الرأس أن تفضي سياسة المغرب الأخضر هذه إلى رؤوس أينعت في القطاع وحان قطافها.. وإلى تحديد المسؤوليات فيمن كانوا وراء إطلاق الكلام على عواهنه فاستفادوا وغنموا. وزير الفلاحة والصيد البحري تفطن للأمر بتفاؤل ضئيل حين أكد في إحدى تدخلاته أن 15 يوما الباقية من عمر الشتاء كافية لعلاج ما فات، ومرت الخمسة عشر يوما والشهور وتهاوت الفلاحة في قعر سحيق من الجفاف والبلاد في المخاوف. وقد يكون من العبث اتهام المطر بأنه السبب.. فبلد فلاحي كالمغرب لا يجوز أن تظل فلاحته هكذا رهينة بسقوط المطر أو انحباسه، لأننا في هذه الحالة نكون كمن يمارس لعبة «الضامة». الفلاحة أصبحت قضية سياسة وتخطيط واستراتيجيات قبل أن تكون قضية مطر. الفلاحة الرسمية - إن صح التعبير - بكل هياكلها وأطرها ومهندسيها يجب ألا تظل حبيسة هذا المنطق الضيق، إذ يكون من واجبها أن تقترح وتبدع وتفك ما أمكن هذا الارتباط القوي والأزلي بين الفلاحة والمطر. لسنا هنا في موقع التشاؤم، ولا نتهم أحدا ولا حتى المطر، لكننا نريدها أن تكون فرصة لتغيير المنطق الذي نسيّر به فلاحتنا والله أرحم الراحمين.