في الوقت الذي أدت تدوينات الكاتب السعودي الشاب "حمزة كاشغري" إلى غضب عارم في المجتمع السعودي بعد اتهامه بالتطاول على الذات الإلهية والنبي صلى الله عليه وسلم، تباينت آراء الفقهاء ورجال الدين حول طريقة التعامل مع "كاشغري" في حالة تمكن السلطات السعودية من استعادته من "ماليزيا" التي قبضت عليه في العاصمة "كوالامبور" بعد هروبه إليها مساء الخميس الماضي. وطالبت "منظمة العفو الدولية" السلطات الماليزية بالإفراج عن "كاشغري" وعدم إجباره على العودة إلى "السعودية". وقالت المنظمة في بيان لها أمس "تم اعتقال "كاشغري" الخميس الماضي من قبل شخصين يرتديان ملابس مدنية في مطار "كوالالمبور" الدولي، مطالبة بالكشف عن مكان وجوده وضرورة السماح له بتوكيل محامٍ إذا رغب"، مشيرة إلى أن السلطات الماليزية لم توجه له أي تهمة. وبحسب قول نائب مدير المنظمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا "حسيبة حاج صحراوي" فإن "كاشغري"، "قد يواجه عقوبة الإعدام بتهمة الردة في حال ثبوت إقدامه على الإساءة الدينية". وكانت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أصدرت بياناً عن قضية "كاشغري" وتطاوله، مؤكدة أن الإستهزاء بالله ورسوله وآياته وشرعه وأحكامه من أعظم أنواع الكفر وهو ردة عن دين الله. وأشارت إلى أن مَن استهزأ بالله أو رسوله أو كتابه أو شيء من دينه فقد تنقصه واحتقره، واحتقار شيءٍ من ذلك وتنقصه كفرٌ ظاهرٌ وعداءٌ لرب العالمين وكفرٌ برسوله الأمين. وأكّدت اللجنة أن الواجب على ولاة الأمر محاكمته شرعاً، كما الواجب على عموم المسلمين الحذر من مثل ذلك سواء بالقول أو بالكتابة أو بالفعل حذراً من غضب الله وعقابه والردة عن دينه وهو لا يشعر. أما الداعية الشيخ "سلمان بن فهد العودة" فقد دعا الى نصحه وإرشاده إلى الحق والأخذ على يديه. وقال "العودة": قرأت ما كتبه "حمزة كاشغري" تحت عنوان (بيان حول كتاباتي) وتبرؤه مما صدر منه ودعوته ألا نعين الشيطان عليه وما قاله أثلج صدري، وقال ما يسعه أن يقول وأحس بالصدق إن شاء الله في عباراته ولكل من الناس أسلوبه وطريقته في المعالجة. وأضاف "العودة": أنا أرى شابا في مقتبل عمره وهي عثرة أرجو الله العلي العظيم أن يقيله منها ويثبت يقينه، وأدعو إخوتي إلى تقديم النصح والدعاء له وتشجيعه على سلوك الطريق المستقيم. ومما لا شك القضية أخذت بعدا دوليا، فقد حدثت مواجهة بين كل من الكاتب الأمريكي "ديفيد كيز" وسفير السعودية لدى الأممالمتحدة "عبدالله المعلمي" في جامعة "نيويورك" حول قضية "كاشغري" فرد السفير السعودي بأن "كاشغري" تجاوز المسموح به في المجتمع السعودي، والذي لا يمكن قبوله، في إشارة إلى تطاولاته في موقع التدوينات القصيرة "تويتر". وأفصح "كيز" عن مضمون محادثة جرت بينه وبين "كاشغري" قبل اعتقاله في "ماليزيا"، مشيرا إلى أن قضية "كاشغري" تبناها عدد من المحامين والمدافعين عن أمثاله، وعلى رأسهم وزير العدل الكندي السابق، "إيرون كولتر" الذي أبدى استعداده ليكون مستشار قانوني دولي للدفاع عنه، مثلما دافع عن "نيلسون مانديلا" و"سعد الدين إبراهيم" و"ناتان شارانسكي" و"مايكل نبيل". وأضاف: إن المحامي الماليزي المعروف وعضو البرلمان "كاربال سينج" سيتبنى قضية "كاشغري" أيضا بالإضافة إلى الذين سيمارسون ضغوطا دولية على "ماليزيا" لإطلاق سراحه. إلا أن الرياح تأتي بما لا تشتهيه السفن فقد أعلن مسئول في الحكومة الماليزية أن "ماليزيا" رحلت أمس الأحد "حمزة كاشغري" إلى "السعودية". وقال المسئول الماليزي لوكالة الأنباء الفرنسية إن "كاشغري" الذي كان موقوفا في "ماليزيا" غادر هذا البلد بحراسة مسئولين سعوديين. ولم تؤكد حكومة "ماليزيا" رسميا بعد ترحيل "كاشغري" إلا أن بيانا لوزارة الداخلية كان قد أشار الأحد إلى أن الكاتب السعودي سيرحل إلى المملكة. وقال البيان إن "التدابير المعتمدة من زمن طويل في ماليزيا تنص على أن يتم ترحيل أي شخص مطلوب في بلاده وسيتم ترحيل كاشغري ضمن هذا الإطار". وأشار البيان إلى أن طبيعة التهم الموجهة إلى "كاشغري" هي "مسألة تخص السلطات السعودية". ومن المؤكد أن ترحيل "كاشغري" سيطلق موجة تنديد من قبل المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان مثل "منظمة العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" التي طالبت "ماليزيا" بعدم ترحيل الشاب إلى بلاده حيث يواجه إمكانية الإعدام. وأفادت منظمات حقوقية أن "كاشغري" الذي اعتقل في "ماليزيا" كان في طريقه إلى "نيوزيلاندا". ومن بين الرسائل التي نسبت إلى "كاشغري": "نيتشه قال مرة إن قدرة الإلاه على البقاء ستكون محدودة لولا وجود الحمقى (...) ماذا سيقول لو رأى الهيئة" في إشارة إلى "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (المطاوعة) في "السعودية". وكتب "كاشغري" الذي كان يعمل في صحيفة "البلاد" بمناسبة عيد المولد النبوي الذي لا تحتفل به المملكة "في يوم مولدك لن أنحني لك، لن أقبل يديك، سأصافحك مصافحة الند للند، وأبتسم لك كما تبتسم لي وأتحدث معك كصديق فحسب". وتابع "كاشغري" "في يوم مولدك أجدك في وجهي أينما اتجهت. سأقول أنني أحببت أشياء فيك، وكرهت أشياء أخرى ولم أفهم الكثير من الأشياء الأخرى. سأقول أنني أحببت الثائر فيك، لطالما كان ملهما لي ولم أحب هالات القداسة، لن أصلي عليك". وفور نشر هذه الرسائل، قوبلت بردود فعل غاضبة وساخطة من المشاركين في "تويتر" الذين طالبوا بمحاكمة الكاتب وتطبيق الحد الشرعي عليه. وسرعان ما قدم "كاشغري" إعتذارا قائلا "يزعمون أنني تطاولت عليك وأنا الذي أستحضرك دائما كقدوة (...) والله لم أكتب ما كتبت إلا بدافع الحب للنبي الأكرم لكنني أخطأت وأتمنى أن يغفر الله خطئي، وأن يسامحني كل من شعر بالإساءة". وللتذكير فقد اعتبرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية الذي يرأسها مفتي المملكة "عبد العزيز آل الشيخ" أن "كاشغري" كافر ومرتد يجب محاكمته. لكن رجال دين بارزين أيضا دعوا إلى تقبل توبة "كاشغري" وعدم تضخيم الأمور خصوصا أنه أعلن توبته عما كتب.