السكينة سألنا الأخرس بن صمام عن السكينة ما هي؟ أجاب: أن تتملى العاصفة من موضع آمن، ولما طلبنا منه الإفصاح باحَ: بعد أن غبتُ عن البلد ردحا من الزمن ازدحم حولي في المقهى الرفاق والخلان. تناسلتْ طاولاتهم وطلباتهم. انسللتُ متظاهرا بالرد عن مكالمة هاتفي النقال. تواريتُ خلف شجرة حيث أراهم ولا يرونني. استفحل الانتظار، سكتَ كل مهذار، دفعوا للنادل مكرهين، هرولتُ نحوهم عاذلا: - تعجّلتم الدفع، لعن الله صوارف الهواتف، وهواتف المعارف مصيبة حولاء بَلَغني أنّ أحدَ الجِلَّةِ المُتقدّمين العريقين في الكلام مَدْعُوٌّ إلى حفل عَقِيقَة أقامه وَالِي المدينة. شَخَصْتُ أريده علّني أَعُبُّ من جديده وتَلِيدِه، فألْفَيْتُهُ الأخرس بن صمام يتوسّطُ الصالون ويُحاضِرُ في شتّى العلوم، وتُرَفْرِفُ عيْنُه الحَوْلاء في مختلف الوجوه والتُّخوم. وإنّا لَوقوف هذا الموقف، أقبلَ علينا ميت بن نعسان مُتَرَنِّحاً بادية عليه غائِلة سُكْر، مُحْدِثا جَلَبَةً ومُشَتِّتاً جَوَامِعَ كَلِمِ الأخرس الذي عبسَ وتوجّسَ حتى خِلْنا أن (ميت) هالكٌ بين يديْه لا محالة. سرعان ما رَشَقَنا الأخرس بسؤال يعني به غيرَنا: - ما الفرق بين القَدَر والمُصيبة ..؟ نطّ ميت من مكانه مُتلعْثِما: - أنا أُجيبكَ، فالقَدَر هو ما قُدِّرَ لنا من اجتماع في هذا المقام، أما المُصيبة فهي تلك التي حَلَّتْ بعيْنِكَ وجعلتكَ أَحْوَل.. عدوى البلد في يوم تطاير غباره وتشردت حدآته ذكر لي الأخرس بن صمام الذي عاد لتوه من بلاد المهجر بعدما سألتُه عن الشيء الذي عجب منه في مقامه معنا ثم ألفه بعد ذلك، وحاصل ما قاله: عجبتُ لأهل هذا البلد، ما أن تلتقي بأحدهم إلا وتجد سبابته تسْبر أغوار مناخيره، وما أن تحمل أحدهم في سيارتكَ إلا وتزحف أصابعه ناكشة تجاويف أنفه، يرمقك بطرفة عين ليضع صمْغه بعد ذلك في زاوية ما من الكرسي الذي يقتعده بخفة ساحر. تصوّرْ، أصبحتُ بدوري بعد طول المقام أحذو حذوهم بفعل الغبار. إنها عدوى البلد. تمثيل أتيتُ الأخرس بن صمام مُقيماً الدليل على حُرْمة التمثيل. قال ضاحكا منتشيا: - آه، كم تحسن التمثيل ! الزلزال اجتمعنا في منزل الأخرس بن صمام الذي أبدع في بنائه وتفنّنَ في تنميقه. فجأة زحفتْ نحونا الجدران وتمطى السقف حتى كاد يلامس هاماتنا. تشتتنا من كل فجوة صائحين: الزلزال، الزلزال.. اخرج يا أخرس وإلا هلكتَ. ظل في الداخل قابعا، وفي مجلسه متربعا. ولما نبهناه إلى ارتدادات محتملة والى شقوق تتناسل في شتى الأركان قال بأسى: - حياتي منذورةٌ للنّسْف دون هذا السّقْف. خصام بعد خصام مع مُعَذِّبَتِي لم أجد أمامي إلا الأخرس بن صمام أبثه شكواي وأنفث إليه بعض نجواي. وما أن علم قصتي ومكمن غصتي حتى قال: - صه، هذا مما يطوى ولا يروى ويفيض ولا يفضي. بئر مقلوب سألنا الأخرس بن صمام عن سر الصومعة الشاهقة. قال إنها بئر مقلوبٌ ممدّدٌ نحو الأعلى . وعندما استغربنا وقلنا له إن كانت بئرا فلابد أن نرى الماء في قمتها، أجاب: - منذ مدة والجدب ماحق بمثل هذه الآبار المنشورة.