I أتخيل الشرق ملتقى النيران، مهب الرياح، موطن الأعاصير. جفاف الماء. غرق الأرض بالطوفانْ.. ولادة الموت.. موت البدايات.. أتخيل الشرق كتبا من ألواح خشبية وبقايا أحجار جرفتها الأعاصير.. أتخيله حطاما من غضبة إله لا يعرف الرحمة فحوله التاريخ حجارة مقدسة، وصار فيضان النهر جذبة الله على جنبات المروج.. أتخيله غانية تولهت بعشق نهديها وحولت الطين إلى رحم ونهد وأنثى.. هوذا الشرق.. يقظة عشتار.. غفوتها.. انحناءة البهاءِ بجسد باذخ تتخلله نظرة رؤوم من بين المزارب والأعشاب العطشى.. هو ذا الشرق. ماء حتى الفيضان..نار حتى الدمار. شهوة حتى الشبق المدمر للجسد.. أرى الشرق كتبا تحترق تحت ضحك صاخب لمجنون جُنَّ بعظمة الملك وحب التوسع في أراضي الله.. أرى الشرق ذاكرة تجهد نفسها من أجل مقاومة هذا النزيف العارم من النسيان، فلا يفعل سوى أن يدمر ذاكرته بالحرف والطوفان.. أراه أوراقا مبعثرة تختلط بالطمي فتخصب ذاكرة التيه والفقد وتتحول كل الذاكرة..كل الذكرة .. إلى حلم للنسيان. وكل التاريخ.. كل الزمن، إلى أسطورة البحث عن الخلود.. تخليد الموت حتى نهاية الحلم بالحياة يا امرأة تبعث الغرب من أسطورة معنى الشرق.. II تختلسين النظرات من زاوية في الشرق البعيد..وأنا أنظر إليك من هناك... أراك، أمي، تجلسين على الكرسي.. في هذه المساحة وتقولين لي الحكاية.. قولي يا أمٍّ: أنا فقدت صوتك من بعيد. أتنفسك أنفاسا وملامحَ. أنظر إليك من هذا البعاد أتفقد صيحتك، أرى صحوك.. أهيم في حيرة رؤياك ولست ألقاك بعد الآن.. ?? ماذا فعلتُ يا أماه، كي تغرقي ملامحي بكل هذا الصمت؟! ماذا قلت للقدر يوم كان يسألني عنك؟ ماذا فعلت حتى أرمى في هذا الخواءْ.. يا صورة امرأة في هذا المكان.. يا ملمح زمن يجذبه التاريخ...ماذا تقول لك العين حين ترى ما لا أراه أنا؟! ماذا تخط لك الأصابع..؟ قولي يا أماه.. أشحَّ الماء من ساقية الفناء.. أم سقط المطر من منور الدار؟! قولي: أراك في هذا الوقار سيدة الزمان.. أراك خرافة بدوية للصغار في هذا الليل البارد... في هذا القعر الذي يغربني في أناي. قولي يا أُمّ: هل الكرسي امتلاء أم قصة بداية الخلق؟! هل الكرسي برج للتأمل أم قصر للتعبد حيث يجلس التاريخ بين قدميك يشهد على عظمتك. هل الكرسي قصر للتعبد أم مقصلة لإعدام الوقت أم شهوة الجسد حين يغتاله الحنين إلى الراحة؟! يا أُمُّ: هذه ليلة لقولك فاسأليني عني، وعن نهاراتي.. خبئيني تحت ضوء عينيك كي أجتاح هذا الاغتراب المدوي في الأعماق... صار الشرق فراغا امتلأت به الكراسي واحترقت بين كفيك كل بدايات السلالة.. قولي لي: من أنا في هذه العزلة وقد غربتني الأعمار؟ أمُجون أم جنون هذا الذي يلبسني في عراء الأمصار..؟!! هل الشرق لعنتي أم الغرب غُربتي في هذا التيه الغزير بالشتات وبقايا الحياة..؟! بوسطن