بسم لله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف المخلوقين وعلى أصحابه وأتباعه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. الأخ السيد المستشار السيد الكاتب الجهوي الأخ كاتب فرع الشبيبة الاستقلالية الأخ كاتب فرع الاتحاد العام للشغالين بالمغرب الإخوة في المكتب الإقليمي أو الجهوي للاتحاد العام للشغالين الإخوة أعضاء المجلس الوطني للحزب الإخوة أعضاء الفرع الإخوة والأخوات المناضلين والمناضلات السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد، يقول الله تبارك وتعالى: «وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين» «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ» الذكرى والروح المعنوية أنا سعيد لأحضر معكم في هذه الأمسية المباركة التي يلتئم فيها جمعنا جميعا من أجل إحياء ذكرى هي من أغلى ومن اعز الذكريات بالنسبة لتاريخ الإسلام والمسلمين، وهي ذكرى غزوة بدر الكبرى، والتذكير بهذه المناسبة، مناسبة غزوة بدر هو في الواقع استمرار لما اعتاده حزب الاستقلال واعتاده مؤسسو الحركة الوطنية المغربية من إحياء مثل هذه الذكريات لتقوية الروح المعنوية والنضالية لدى المناضلين والمكافحين، وكذلك لترسيخ القيم الإسلامية ولتعريف المواطنين وتذكيرهم بما قام به سلفهم من أجل بناء الدولة الإسلامية ومن اجل نشر الدعوة الإسلامية التي هي دعوة التوحيد، ودعوة الإخاء، ودعوة المساواة، ودعوة العدالة، ودعوة الكرامة، ودعوة أن يكون الإنسان في هذه الأرض الذي هو خليفة الله هو بالفعل خليفة مستخلف لإقامة العدل ولإحقاق الحق بين الناس. المصادفة الحسنة والواقع أن هذه الذكرى من باب المصادفة الحسنة أنه وقعت في ليلة الجمعة والسابع عشر من رمضان في السنة الثانية للهجرة ونحن نحيي هذه الذكرى في نفس اليوم، وهذه الواقعة أو الوقعة أو المعركة أو الغزوة لك ان تسميها ما شئت، كانت اللحظة الفاصلة في تاريخ الإسلام وفي تاريخ الدعوة المحمدية. وللحديث عن الموضوع الذي اخترناه عنوانا لهذه الأمسية وهو (غزوة بدر بين مفهومي الجهاد والسلام يفرض مقدمة أساسية وضرورية لا يمكن فهم كيف حدثت هذه الغزوة دون هذه المقدمة وهي نظرة مختصرة عن بداية الدعوة وانطلاق الرسول عليه السلام لتبليغ ما أمر بتبليغه إلى الناس. خطاب الدعوة لا شك أننا جميعا نذكر من خلال ما قرأناه في تاريخ الإسلام وفي سيرة الرسول عليه السلام نذكر جميعا ونتذكر ما قاساه الرسول صلوات الله وسلامه عليه من أجل تبليغ الدعوة ومن اجل إيصال الرسالة التي كلف بتبليغها إلى الناس، ذلك ان الرسول صلى الله عليه وسلم كلف بتبليغ الرسالة حسب المصطلحات الحديثة فالرسول جاء بخطاب يجب ان يبلغه للمتلقي وهم في البداية سكان مكة هؤلاء الذين كانوا يعبدون الأوثان والأصنام وكانوا يشركون بالله وكانوا يعيشون حياة جاهلية بكل معنى الكلمة للجاهلية، فجاء محمد بن عبد الله وعمل من أجل إنقاذهم من هذه الوهدة وحياة الشرك والضلال. دعوة غير منتظرة ولم يكن الرسول نفسه في البداية يعرف هذا الدور الذي أنيط به لأنه لما جاءه الوحي وهو في غار حراء ونزل عليه قول الله تعالى: «اقرأ» لم يكن يعرف ما هو الهدف وما هي الغاية ولذلك جاء وهو يرتعد فرسا وخائفا من أن يناله أو يمسه ما كان يروج عند العرب، لأنه لم يكن ينتظر أن ينزل عليه الوحي ولم يكن ينتظر أن يتلقى الدعوة ولذلك جاء خائفا إلى خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها فقال لها إنني حصل لي كذا وكذا ولكن خديجة بحسها وبمعايشتها ومعاشرتها للرسول عليه السلام قالت له ذلك الجواب وتلك الحكمة وذلك الاستنتاج الذي لا يمكن أن يكون أو أن يتم إلا من طرف امرأة في مستواها ذكاءا وفطنة وعقلا واستعدادا للخير والله لن يخزيك الله أبدا هكذا أجبته والله لن يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وانك تعين على قضاء حوائج الناس ونوائب الحق بمعنى أنه استنتجت من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم من العناية بالضعيف وصلة الرحم تلك الأخلاق التي كان يتصرف بها الرسول انه لن يخزيه الله أبدا. ليتني أكون جذعا ولم تكتف هذه المرأة بهذا بل ذهبت به إلى قريب لها وهو ورقة بن نوفل فقال له احك لي فحكى له ما شاهد فقال له إن هذا الناموس مثل الناموس الذي كان يأتي موسى يا ليتني أكون فيها جذعا إذ يخرجك قومك لأنصرنك نصرا مؤزرا، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم أو مخرجي هم قال له ورقة ما جاء احد قومه بمثل ما جئت به إلا أوذي، بمعنى أن ورقة استنتج مما يعرفه أن الرسول جاءه الوحي أي (الناموس) الذي كان يأتي موسى ولذلك فسيلقى من قومه ما لقيه موسى من فرعون وملإ فرعون من العنت ومن العذاب ومع ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم لجأ إلى الاختباء فنزل قول الله تعالى: «يأيها المزمل» وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ» يأيها المزمل إلى آخر ما جاء في هذه الآيات، آنذاك الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ يطمئن وبدأ يشعر بأعباء الرسالة، فبدأ يعرف أنه نزلت عليه رسالة (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا). الرسالة وثقل الأمانة فالرسالة هي رسالة قوية وشديدة في مضمونها وفي تكاليفها وفي مسؤوليتها (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) ثم أمر بتبليغ الدعوة إلى أقاربه «وأندر عشيرتك الأقربين» هكذا بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم الدعوة، وبمقارنة الرسول صلى الله عليه وسلم بغيره من الرسل قبله نجد ان هؤلاء الرسل جميعهم تلقوا من أقوامهم الكثير من الرد العنيف، والرسول لم يكن بدعا من الرسل «قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ» «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، إذن فالرسالة توحي هي التي جاء بها الرسل جميعا ولكن الشرائع تختلف «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا». فإذن لا أطيل عليكم في التذكير بما لقيه الرسول من الأذى ومن العذاب فنحن نقرأه جميعا ونعرفه جميعا فيما ينشر ويذاع والحمد لله اليوم هناك وسائل الإعلام تجعل الأشياء قريبة من الناس فما ينقصنا إلا شيء من الاهتمام ليكون المسلم مدركا وملما بهذه المسائل كلها وبأبعادها كذلك. المقاطعة الاقتصادية ولذلك فالرسول عليه السلام لقي المشاق مع قومه وتعذب الذين آمنوا به، فهاجروا الهجرة الأولى إلى الحبشة والهجرة الثانية إلى الحبشة والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعرض نفسه على القبائل ولكنه كان يلقى آذى من هذه القبائل، وآجتاز مرحلة مقاطعة بني عبد المطلب الذي تعرضوا إلى المقاطعة: مقاطعة اجتماعية ومقاطعة اقتصادية، ولكن الرسول عليه السلام وجد نفسه في مرحلة صعبة وفيما سمى بعام الحزن عند وفاة خديجة، ووفاة أبي طالب خديجة التي كانت توفر الحنان المنزلي، والدفء العائلي الذي كانت توفره خديجة للرسول عليه السلام، فقد خديجة وفقد عمه أبا طالب الذي كان يدافع عنه بين المشركين القريشيين في مكة وسمي هذا العام عام الحزن بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام. الأذى والدعاء وحاول الحصول على تأييد القبائل، فذهب إلى الطائف وفي الطائف لقي ما لقيه من سفهاء القوم فضرب بالحجارة وسلط عليه المشركون في الطائف صبيانهم وأطفالهم لضربه بالحجارة حتى أدميت قدماه صلى الله عليه وسلم وقال الدعاء المشهور (اللهم إليك أشكو ضعف قوتى و قلة حيلتى و هوانى على الناس) هذا الدعاء الذي كان حقيقة تعبيرا صادقا عن نفسية الرسول وعما كان يقع له، في هذه السنة حدث ما يعرف في التاريخ الإسلامي وفي السيرة النبوية بالإسراء والمعراج والمذكور في قوله: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ» وهكذا نرى أنه مع تطور الدعوة وتصعيد المشركين وموت سندين عائليين أساسيين للرسول، تأتي العناية الربانية لتؤكد للرسول أنه ليس وحده يواجه وإنما هناك من يرعاه ويرعى رسالته. الحدث الآية فكان هذا الحدث العظيم في تاريخ الإسلام الإسراء والمعراج وآية من آيات الله والذي أثار ضجة في صفوف المشركين كيف يحدث هذا ينتقل الرجل من مكة إلى بيت المقدس في الشام في ليلة ويعود في ليلة وهم قد خيروا السفر والانتقال ما بين المدينتين وما يتطلبه من القوم ولذلك امتحن الناس في إيمانهم وظهر الصديق أبو بكر في هذه اللحظة ليؤكد أن الإيمان كل لا يتجزأ فكيف يحدث الرسول أن الوحي يأتيه من السماء ويصدقه أبو بكر ويخبره انه انتقل إلى بيت المقدس ولا يصدق فكان جوابه المفحم ان كان قال ذلك فقد صدق وينفرج الأمر وتأتي مرحلة جديدة في مسيرة الدعوة هي بيعة الأنصار. البيعة والتحول ثم كانت بيعة الأنصار للرسول صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الأولى والعقبة الثانية ثم كانت الهجرة هذه الهجرة إلى المدينة جاءت بعد مرحلة من الجهاد المضني ضد كفار قريش والرسول صلى الله عليه وسلم انتقل من مكة إلى المدينة ليبدأ طورا جديدا من الدعوة، ولتبدأ مرحلة جديدة من العمل من اجل نشر رسالة التوحيد ونشر الدعوة الإسلامية. هذه الهجرة التي كانت مرحلة فاصلة، والرسول عليه السلام عندما وصل إلى المدينة بدأ بأمور ثلاثة: الأمر الأول: هو بناء المسجد (مسجد قبا) هذا العمل كان في الحقيقة مهما جدا، لأن المسجد بني بالتطوع، فكان كل المسلمين بما فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم يحملون الحجارة لبناء المسجد متطوعين، هذا أول عمل تطوعي في الإسلام حيث تم بناء مسجد قبا من المسلمين جميعا فكلهم يحملون الحجارة ويساهمون في البناء. المواخاة والأمر الثاني: المواخاة بين الأنصار والمهاجرين، حيث قال لهم: تآخيا في الله اخوين اخوين، ومعنى المواخاة تتجاوز الأخوة التي دعا إليها الإسلام في قوله تعالى: «إنما المؤمنون إخوة» فهذه لها معنى سياسي وديني وتلك كان لها بجانب ذلك معنى اجتماعي آنيا والمتمثل في أنهم شاركوهم في أموالهم وفي تجارتهم إلى حد انه من كان له أكثر من زوجة اقترح التنازل عن زوجة من زوجاته لأخيه من المهاجرين، هذه المواخاة من الناحية الاجتماعية، ومن الناحية السياسية كانت أساسية لبناء الدولة الإسلامية. الأمر الثالث: الدستور وكان هناك عمل آخر مهم جدا وأساسي في هذه المرحلة هو الوثيقة، وثيقة المدينة هذه الوثيقة الدستورية التي تعتبر أول دستور مكتوب بالنسبة لتاريخ الإنسانية كلها، لأن هذه الصحيفة أو هذه الوثيقة، وثيقة المدينة أول دستور في تاريخ الإسلام المكتوب وحدد ما يسمى اليوم بالتعددية، حيث أقر لكل قبيلة ولكل فئة من الفئات المتساكنة في المدينة بحقوقها، وأن الذي يجمع بينها هو التضامن فيما بينها في الدفاع عن المدينة بحيث يهود بني قريضة وبني قنيقع وغيرهم كل هذه الطوائف ذكرت باسمها في هذه الوثيقة كما ذكر الأوس والخزرج وبنو عوف وغيرهم من أسماء القبائل كل قبيلة على انفراد ذكرت وحددت لها مصالحها وحقوقها ودورها وواجباتها والتزموا جميعا بالدفاع عن المدينة وأنهم جميعا لا يمكن لأحد منهم أن يتحالف أو أن يخون سكان المدينة الذين تعاقدوا في هذه الوثيقة مع الرسول عليه السلام. المبادئ الأساس في الوثيقة وقد جاء في الوثيقة بالنص: 1 – هذا الكتاب من محمد النبي (رسول الله) بين المومنين والمسلمين من قريش و «أهل يثرب» ومن تبعهم، فلحق بهم وجاهد معهم. 2 – إنهم أمة واحدة من دون الناس. 3 – المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 4 – وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 5 – وبنو الحارث (من الخزرج) على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 6 – وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 7 – وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 8 – وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين 9 - وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين 10 - وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين 11 - وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين 12 – إن المؤمنين لا يتركون مفرجا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء او عقل. هذه الوثيقة مع بيعة الرضوان بيعة العقبة الأولى وبيعة العقبة الثانية هي التي كانت أسس الشرعية الدستورية بالنسبة لتأسيس الدولة الإسلامية. إذن هذه السنة الأولى في المدينة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم تم بناء أمور ثلاثة أساسية وهي على النحو التالي: 1 - المجتمع على أساس المواخاة 2 - بناء المسجد بشكل تطوعي 3 - كتابة هذه الوثيقة الدستورية الأساسية التي تعترف للجميع بحقوقه والتي تظهر بكيفية واضحة وأساسية أن الدولة الإسلامية بدأت التشكل بالنسبة للمرحلة المقبلة. المفاجأة في السنة الثانية ستحدث مفاجأة بالنسبة للمسلمين، المسلمون وبصفة خاصة الأنصار والمهاجرين لم يكونوا يتوقعون عندما خرجوا للتعرض للقافلة التجارية للمكيين القريشيين لم يكونوا يتوقعون انه ستحدث معركة بينهم وبين المكيين القريشين «كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ» هذه المعركة خرج لها المسلمون دون ان يكونوا مهيئين للمعركة الى الحرب لأنهم خرجوا للتعرض لعير قريش أي للقافلة وليسوا مستعدين للحرب بحيث كان عندهم فرسان فقط وكانوا يتناوبون على الجمال كل ثلاثة على جمل واحد يتعاقبون فيما بينهم، ومعنى هذا أنهم لم يكونوا مستعدين. بين التردد والإقناع ولذلك لما أتى قريش وعددهم يتجاوز عدد المسلمين بثلاثة أضعاف شعر الرسول صلى الله عليه وسلم ان الناس ربما حصل فيهم شيء من التراجع للحرب الذين لم يكونوا خرجوا لها «يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ» فجمع الرسول هذه المهمة جدا والتذكير بها قبل بداية المعركة عقد مؤتمرا للمهاجرين والأنصار وقال: (أشيروا عليا أيها الناس؟) فخرج احد الأنصار فقال له فكأنه تعنينا يا رسول الله؟ لأن الأنصار عندما بايعوا الرسول وتعاقدوا معه، تعاقدوا معه عن الدفاع عنه وحمايته لتبليغ الدعوة ولم يكونوا قد تعاهدوا معه ليهاجم هو الغير وأدرك انه ربما شعر الصحابة كأن الأمر فيه شيء من (التوريط) لهؤلاء الأنصار، ثم قال له: (امضي لما أمرك به الله والله لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك) ثم تكلم احد الصحابة كذلك فقال له يا رسول الله لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون) ولكن نقول لك اذهب أنت وربك فقاتلا إننا معكما مقاتلون، فنحن معك، فاطمأن الرسول وبدأ اتخاذ الإجراءات للمعركة، هذه المعركة كانت أول معركة جهادية في الإسلام. الإذن بالدفاع وها نحن وصلنا إلى موضوع الجهاد وغزوة بدر، ذلك أن المسلمين اتخذوا من هذه المعركة الفاصلة موقفا جديدا في الدعوة وأساليبها، إننا عندما نستعرض السيرة كما اشرنا سابقا ندرك الاضطهاد الذي تعرض له المسلمون من لدن قريش وغيرهم من القبائل العربية وندرك كيف كان هؤلاء المسلمون يفرون بدينهم خارج الجزيرة ويختفون في بيوتهم والرسول نفسه يهاجر من مكة إلى المدينة لذلك جاء الإذن بهذه المرحلة الجديدة من مراحل الدعوة فكان الإذن بالقتال كما جاء في سورة الحج «أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله». الدفاع والتدافع هذا الإذن جاء لكي يتحرك المسلمون للدفاع عن أنفسهم ولكي يتيحوا للدعوة أن تأخذ مجراها في دنيا الناس ولكن القرآن يوضح ويبرر أمر الجهاد في سياق الآية فهو يؤكد أن الله يدافع عن الذين آمنوا وهذا يوحي أن الإذن بالقتال هو أساسا للدفاع فهو سبحانه يدافع عن الذين آمنوا ولكن الدفاع والتدافع أساس في بقاء الإنسان وبقاء حضارته فالتدافع سنة من سنن الله في الكون وهذا ما جاء مباشرة بعد دفاع الله والإذن بالقتال لأن لولا ذلك لكانت المساجد والبيع والصلوات وهي أسماء لأماكن العبادة بالنسبة للديانات الثلاث الإسلام واليهودية والنصرانية، وهكذا نجد ان الدفاع هو الأصل في الجهاد الذي أثار كثيرا من القيل والقال وأسيل من أجله تبريره ومهاجمته على حد سواء الكثير من المداد ولا يزال، ونحن هنا في هذه المسامرة نتناوله ونتناول في مقابله الدعوة إلى السلم وأسلوب الدعوة كما جاء به الإسلام. ولذلك لابد من الإشارة هنا إلى معنى الجهاد؟ وكيف فرض الجهاد؟ وما هي العلاقة بين الجهاد والسلم في الإسلام؟ وما هو مكان ومركز غزوة بدر بين الأمرين الاثنين. بقية العرض في العدد المقبل