أحنّ لهرولةِ الناسِ أقرأ في صفحاتِ مباهجِهم بهجتي ولرائحةِ العابرينَ تضمّخني نفحاتُ جذوريَ فيها، فتغرقُ في فرَحٍ مهجتي ... أحنّ لصحبيَ كلّ مساءٍ إذا دقّتِ الساعةُ العاشقهْ تغازل نجماً على صهوة اللحظة المارقهْ وتوسّع في رحلة الليل كوّة لذته الساحرهْ ... أحنّ لعشّيَ في قمة النخلة الشاهقهْ يلون قشَّهُ ريشُ الهزارينِ وهْو يدغدغُ قهقهةَ الظبيةِ السّاخرهْ ... أسائل ليليَ هل كان لا بدّ أن يدرك القلبُ في لحظات التجلي لماذا يحنّ الغريبُ إلى أهلِه والضياءِ وعتمةِ بيته أو سخمة المدخنهْ موثراً مرجلَ البيدِ يغلي على جنّةٍ ليس فيها أنيسٌ ينازلُ غربتَهُ ويعيد إلى عقرب الساعة المكتوي زمنَهْ ...؟ غير أنّ الظلامَ يرابط في صمتِهِ الحجري، ما أرقّ نداء الدّواخلِ ... يفتحُ في جبلٍ فجوةً تلهمُ الصّبَّ رؤياهُ مثقلةً بالعناقيدِ : فلأنسَ ما قد تساقته عينايَ من خضرةٍ تتراقصُ، ولينقص الآن ظلٌّ يضيّق منطقة الشمس في بركة البجعِ، فلعلّه غيم بليد يهدد تلويحة الألقِ. ولعلّ العجائز في حاجةٍ في الشتاء إلى حصتي من هواءِ الحديقةِ ... أو فسحة السبتِ يمرح في المولِ مغتبطاً لشراء مزيدٍ من السّلعِ ... لذيول السناجيبِ تهرب نحو الأعالي سأترك سلّم بيتي يردد أحجيةَ الهالوينْ، وأترك أرجوحة الليل للجارة المستحمّة بالوهمِ حبّاً يعرّش في جرحها، فتدغدغ هاتفَها أغنياتُ الحنينْ ولإيقاع زوارِها سوف أترك سجادةً رقّشتها خيول الخريف، أليس الخريفُ امتداداً لجرحي إذا اتّسعتْ حرقة الشفقِ تتصيّد أجنحة الأنبياءِ عواصفهُ أينما ارتحلوا بين أرض تضيقُ وبين سماءٍ يحاصرها الوحلُ؟ فلماذا يكفّن هذا الرّماديّ شمساً توزع ريحانها الغضَّ من محبسٍ - لا يرى في ملامح وجهي إلا الخطيئةَ تشعل نيرانها في المدائنِ - حتى منافي الأحبّةِ في جزرِ الأرقِ ... فسيّانِ أن يتجاهلَ أمتعتي في المطارِ رجالُ الجماركِ، أو يرصدُ الكمبيوترُ حلماً غريباً، ويضبطُ نسبةَ إشعاعهِ في نخاعي وما انسلّ منهُ وأورقَ بين شقوق الزمانْ، فأنا لا أخبّئ بين شغاف الفؤادِ سوى رفض روزا وأحلام مارتنْ وبعض حماقات كينسبورْ وأوراق ويتمانْ، وقارةِ شوق إلى لحظةٍ بين أحضان نخلٍ يضمخ أغنية قد تكون هباءً ... ولكنّها نبضةٌ غضّةٌ ترتوي بالهواءِ ... هوائي، وتسكرُ بالماءِ ... مائي ... تتعتعُ في ذروةِ الوهنِ... آه يا عسلي المرَّ كمْ أنت قاسٍ على أنبيائِكَ، لكنني لا أحبُّ سوى صبواتكَ عمقاً لأوصال نخليَ، أو مرقداً ناعماً لبقايا عراجينهِ تتوهّجُ في كفنِ ... ! فأنا لا أريد من السنواتِ وإن بخلتْ غير عكّاز فرحٍ لشيخوختي ومزاميرَ ساحرةٍ لا تخون سؤالي، تؤرّق عينيّ كلَّ مساءٍ إذا أزهر الوجدُ في خاطري، وندى للعطور التي أينعتْ في ربا جنتي، آهِ من جنتي ... فهي ساكنةٌ في جناني، ومكسوةٌ بالسّنانِ البغيضةِ يشحذُها الكيدُ والغةٌ في دمٍ يستذرّ سماحته القيدُ، لكنّها جنتي ... ! أطلانطا في نونبر 2009