نواصل في عمود اليوم الحديث عن مسار التجربة الأندونيسية حيث كان أكبر تحدي واجهته اندونيسيا هو مسألة تيمور الشرقية، حيث لم يستطع النظام الجديد أن يقاوم الطرح الانفصالي، كما إتسم قادة تيمور الشرقية بانتهازية كبيرة وعملوا على استغلال ارتباك النظام الجديد، وتوفقوا في جر المنتظم الدولي إلى مساندة استفتاء لتقرير المصير كان محسوم النتائج، بالنظر إلى المواقف التي ترسخت لسنوات من نظام سوهارتو الفاسد والقمعي لدى فئات واسعة من أهالي تيمور الشرقية، وشكل عدم إدراك أهمية التحول الديمقراطي وآفاقه الإصلاحية دافعا نحو تشكيل دولة مستقلة، تعيش اليوم معزولة في مشاكل لا تعد ولا تحصى أمام صمت المنتظم الدولي الذي ساند خيار الانفصال، لكن نجاح الانفصال في تيمور الشرقية أشعل حماس عدة مناطق من الأرخبيل الاندونيسي ومارس عليها إغراء كبيرا، وهو ما يشكل تحديا اقتصاديا بالنظر إلى التكلفة العسكرية والأمنية، لكن رغم ذلك فإن آخر التقارير الاقتصادية لسنة 2011 تشير إلى نجاح إندونيسيا في تحقيق أعلى معدلات النمو في العالم في الربع الأخير من سنة 2010 حيث بلغت 6.9% وبلغ متوسط دخل الفرد بنحو 13٪ ليتخطى لأول مرة حاجز ال3 آلاف دولار سنوياً، مما يضع البلاد ضمن فئة الدخول المتوسطة في منطقة شرق آسيا. إن النجاح الاقتصادي في إندونيسيا شكل السند الكبير للتجربة الديمقراطية التي انطلقت مع انتخابات 1999 والتي توجت سنة 2009 بوصول قائد المعارضة عبد الرحمان وحيد إلى رئاسة الدولة واختيار ميكواتي سوكارنو نائبة له، والمثير هو أن الرئيس وحيد احتل حزبه المرتبة الرابعة في الانتخابات البرلمانية بينما، إحتل حزب ميكواتي المرتبة الأولى، وهذه المفارقة في مواقع المسؤولية تجد تفسيرها في الصراع الصامت والهادئ الموجود بين الإسلاميين والعلمانيين في أندونيسيا خاصة موقف الإسلاميين من تولي المرأة للمسؤولية الأولى في الدولة، وهذا الصراع يكشف مرونة الفاعلين السياسيين في إندونيسيا ونظرتهم الإيجابية لمسار التحول الديمقراطي، فلا ميكواتي لجأت للشارع واستثمار شعبيتها في ظل نظام مبني على الاقتراع النسبي ولا الإسلاميون استندوا إلى أغلبيتهم البرلمانية لتجاوز ميكواتي، وهو ما يمنح التوازن الضروري للنظام السياسي الذي يحاول أن يجعل عملية الإصلاح الديمقراطي تمر بتكلفة اقتصادية مقبولة. المغرب بدأ عملية التحول الديمقراطي مع تشكيل حكومة ما سمي بالتناوب التوافقي سنة 1998، وإندونيسيا شكلت أول حكومة في العهد الديمقراطي سنة 1999، المغرب استطاع أن يدبر مشكلة الانفصال في الصحراء وعرف كيف يخترق المنتظم الدولي، من خلال نقد طرح الاستفتاء بمعطيات قانونية وسياسية، بل وتقديم بديل عنه يتمثل في الحكم الذاتي، وهو ما عزز السند الدولي للمغرب، المغرب عرف انتخابات تشريعية سنة 2002 واندونيسيا عرفت انتخابات سنة 2004، المغرب عرف انتخابات تشريعية سنة 2007 وإندونيسيا نظمت انتخاباتها سنة 2009، الفرق بين التجربتين هو أن إندونيسيا عندما تقطع خطوة فهي لا تعود إلى الوراء من أجل تصحيحها، أما بالنسبة للمغرب فالعديد من الخطوات والمبادرات إتخدت على مستوى الدولة للإساءة إلى تجربة التناوب التوافقي، في إندونيسيا أصبح البرلمان برلمان والحكومة حكومة، وفي المغرب انتظرنا إلى أن أشعل البوعزيزي النار في نفسه لكي نفهم انه من المستحيل أن ندير ظهورنا للإصلاح... ومع ذلك يمكن القول أن المغرب يعتبر البلد الوحيد في شمال إفريقيا والشرق الأوسط الذي تتوفر له إمكانيات حقيقية لبناء تجربة ديمقراطية وتنموية عصرية ومقبولة على المستوى الدولي، يبقى أن نشير إلى أن المغرب يعاني من ضعف مزمن في تقدير الزمن السياسي، فنحن بدأنا عملية التحول مع انهيار جدار برلين وكان بإمكان المغرب أن يكون اليوم على المستوى الديمقراطي والاقتصادي في مصاف دول أوربا الشرقية، الفرصة أضعناها ودخلنا بعد ذلك مع إندونيسيا في نفس المسار بقضايا متطابقة، اليوم إندونيسيا تشهد ديمقراطية حقيقة واستقرارا في معدل النمو يعد الأعلى عالميا في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية الدولية، الفترة الحالية التحق المغرب بطريقته الخاصة وأسلوبه المتفرد بما يسمى الربيع العربي، واستطاع في ظرف ستة أشهر أن يقطع أشواطا لم تقطعها لا مصر ولا تونس كدولتين ملهمتين وتغير فيهما النظام، الخوف كل الخوف ان نكون مضطرين بعد سنوات لكي نكتب متأسفين لعقد المقارنة بين المغرب وبين هاتين الدولتين ...