ذكرت «رويترز» نهاية الأسبوع الماضي أن آلافا من الاندونيسيين يلجأون إلى العلاج بالتيار الكهربائي الخفيف الذي يخترق أجسادهم بعد النوم على خطوط السكك الحديدية..هكذا يلجأ عدد كبير من الاندونيسيين إلى احتلال السكك الحديدية طلبا للعلاج...، بينما انتشرت في المغرب ظاهرة احتلال خطوط السكة الحديدية طلبا للشغل في الوظيفة العمومية...لاندونيسيا حكاية أخرى يجب أن تروى، فالبلد هو أكبر دولة إسلامية بعدد سكان يتجاوز 250 مليون نسمة، وهو عبارة عن مجموعة من الجزر المترامية في جنوب شرق آسيا، وهي أحد المواقع السياحية الهامة إضافة إلى كونها أحد النمور الأسيوية التي شكلت ظاهرة اقتصادية منذ منتصف الثمانينات، لكن ما علاقتنا نحن في المغرب بأندونيسيا؟ استحضار اندونيسيا اليوم مسألة مهمة في سياق التحولات التي تعرفها منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، فالبلد الإسلامي كان سباقا إلى التغيير، وكعادتنا فنحن لا ننتبه إلى التجارب التي تبعد عنا جغرافيا وتربطنا معها قواسم مشتركة، وأدمنا في المقابل استحضار تجارب من الغرب...فلماذا ربط اندونيسيا بالمغرب؟ هذا الربط يرجع إلى كون البلدين معا عرفا بداية التحول الديمقراطي في نفس السنة أي 1998، فماذا جرى في اندونيسيا بالضبط تلك السنة؟ ترجع أسباب الانتفاضة الشعبية فى إندونيسيا إلى الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى حدوث تدهور شديد فى معيشة الملايين من الفقراء والعمال والفلاحين، وكانت البطالة في تزايد مستمر، والأسعار أيضاً فى ارتفاع كبير، ففي يوم 12 ماي 1998، قتلت الشرطة 6 طلاب خلال مشاركتهم إلى جانب ما يقارب 5 آلاف من طلبة جامعة ترى ساكتى وهى جامعة كبيرة تقع في قلب العاصمة جاكرتا في مظاهرة ضد رئيس البلاد سوهارتو، وكان تصرف قوات الأمن المفاجئ بإطلاق النار على الطلبة، قد أدى إلى ميلاد تضامن طلابي أوسع في مختلف الجامعات الأندونيسية وخاصة في العاصمة جاكرتا حيث خرج الطلبة في مظاهرات عارمة ترفع شعارات غير مسبوقة ولم تكن واردة في بداية الاحتجاجات التي كانت بطابع اجتماعي وتحولت إلى شعارات سياسية كبيرة تختصر بمطالبة إسقاط سوهارتو ونظامه، في تلك اللحظة التحقت المعارضة السياسية بحركة الشباب في الشارع، مأخوذة بالطابع المفاجئ للأحداث وتسارعها، وحاولت زعيمة المعارضة ميجاواتى سوكارنو بوتري رئيسة حزب النضال من أجل الديمقراطية، وابنة الرئيس الراحل أحمد سوكارنو، مؤسس الجمهورية الإندونيسية المستقلة، إلى جانب رئيس حزب التفاوض القومي الإسلامي، دفع الطلاب إلى ضبط النفس وعدم اللجوء للعنف، لكن الجماهير لم تعر تلك النداءات اهتمامًا، بل خرجت مظاهرات الطلبة إلى قلب العاصمة جاكرتا، وانضمت إليها أعداد كبيرة من العمال والعاملات والفقراء المنتشرين فى المدينة وترك الموظفون أيضًا مكاتبهم وخرجوا إلى الشوارع لينضموا للمظاهرات، حاملين شعار إسقاط سوهارتو وهو ما خلف عددا من القتلى بعد لجوء الشرطة على الرصاص الحي لحسم الموقف، غير أن ذلك زاد من التعاطف الشعبي مع حركة الشباب وجعل فئات جديدة تلتحق بالشارع وهو ما اضطر معه سوهارتو إلى اللجوء إلى الجيش لإخماد هذه الانتفاضة، غير أن الذي حصل هو تعاطف وحدات من الجيش وقوات مكافحة الشغب مع المحتجين. بعد تسعة أيام فقط (...) وبشكل غير متوقع وبالضبط يوم 21 ماي ظهر الرئيس سوهارتو على شاشة التلفزيون الرسمي ليعلن للشعب الاندونيسي استقالته من موقعه في رئاسة الدولة لفائدة نائبه وصديقه يوسف حبيب الذي أعلن بعد ذلك عن حكومة انتقالية تستمر لسنة واحدة تجري بعده انتخابات في شهر يونيو سنة 1999، بعد ذلك بسنة سيوضع سوهارتو تحت الإقامة الجبرية بمناسبة محاكمته على الفساد المالي في عهده، لكن هذه المحاكمة وأخرى بدأت سنة 2002 توقفتا معا بسبب تقارير طبية أثبتت إصابة سوهارتو بمرض في الدماغ، فتم طي صفحة سوهارتو بصفة نهائية. كانت المسألة الديمقراطية في صلب عملية التحول في إندونيسيا وقد نجح البلد في إجراء انتخابات حرة وديمقراطية متتالية أعوام 1999، و2004، و2009، وأطلقت كل الحريات، واستقر في إندونيسيا حكم ديمقراطي قائم على النظام البرلماني الناتج عن انتخابات حرة ونزيهة، وأطلقت الحريات العامة والإعلامية والسياسية والاقتصادية وظهر 95 حزبا، منها 17 ذات توجه إسلامي لكن مع اختلافها في المنطلقات الأيديولوجية التي تزخر بتنوع ثقافي وعرقي وديني وأيديولوجي، وهو ما خلق تحديا كبيرا أمام التعايش بين تلك المكونات، لكن هذا التنوع شكل نقطة سلبية ومؤثرة على وحدة أندونيسيا عوض أن تعزز القيم الوطنية المشتركة، فالطبيعة الجغرافية للدولة والتي هي عبارة عن أرخبيل من الجزر، ساهم في تعزيز النزعات الإقليمية والانفصالية، وهو ما فرض تحديات أمنية وتنموية اقتصادية على النظام الديمقراطي الوليد والخارج من أزمة النمور الأسيوية.