بعد أن أشارت "العلم" في أحد أعدادها السابقة إلى نية وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي إحداث تغييرات هامة في دواليب مصالحها الجهوية والإقليمية، بالإعلان عن حركة واسعة في صفوف النواب ومدراء الأكاديميات إما عن طريق الإعفاء أو التنقيل،عادت نفس المصادر وبعد تأخر العملية لتؤكد صحة الخبر بعد أن تبين أن عددا من نواب الوزارة بعدد من الأكاديميات لم يتمكنوا من أجرأة وتنفيذ البرنامج الاستعجالي، وتطبيق رؤية الوزارة فيما يتعلق بمحاور إصلاح المنظومة التربوية. خصوصا بعدما أن رصدت الإدارة المركزية ونظيرتها على مستوى الأكاديميات الجهوية مجموعة من الاختلالات التدبيرية والمرفقية سواء تلك المتعلقة بتدبير الموارد البشرية فيما يخص عملية إعادة الانتشار المحلية وإغراق النيابة بالأساتذة المكلفين بأعمال إدارية دون احترام للمذكرات المنظمة للعملية ،أو الاختلالات المتعلقة بتنزيل مشاريع البرنامج الاستعجالي ، أو اختلالات في الشق المتعلق بالتدبير المالي والاداري. وقد بررت مصادر من داخل الوزارة التأجيل بأسباب منها الذاتي والموضوعي، ومنها ما ذكرته لطيفة العابدة كاتبة الدولة المكلفة بقطاع التعليم المدرسي في كلمتها خلال آخر اجتماع لها بمديري الأكاديميات ونواب الوزارة و مسؤولي الإدارة المركزية،فقد أكدت أنهم في حاجة إلى قسط من الراحة لتدبير الدخول المدرسي المقبل خصوصا وأنه يأتي في ظل معطيين هامين : الأول مرتبط بكون الموسم سيكون نهاية الإصلاح الذي حدد عمره الزمني ما جاء به البرنامج الاستعجالي ، والثاني متعلق بالحراك الذي تشهدته البلاد. ومن أجل الاستعداد لما سيأتي به القادم من الأيام منحت العابدة المسؤولين الخاضعين لإشرافها 15 يوما من الإجازة السنوية. كما أرجعت المصادر تأجيل الإعلان عن التغييرات إلى تسرب خبر الإعفاء أو التنقيل للصحافة الوطنية ولعدد من المسؤولين الجهويين و الإقليميين الذين يعرفون أن أداء الكثير منهم متذبذب جدا إن على مستوى القطب البيداغوجي أو قطب الحكامة والموارد البشرية أو قطب تعميم التمدرس، وهو ما عكسه التباين الواضح في الانجاز والأداء والتنفيذ إذ تراوحت النسب ما بين 0 في المائة و80 في المائة حسب طبيعة المشروع ومدبريه وجهته، سواء تعلق الأمر بميزانية الاستغلال أو الاستثمار. وثالث الأسباب هو قلة الترشيحات والمقترحات التي أحيلت على الإدارة المركزية لقطاع التعليم المدرسي إذا لم نأخذ بعين الاعتبار اقتراحات الإدارة المركزية لبعض موظفيها لشغل المناصب، ثم ضيق الوقت الذي لم يتعد أسبوعا في ظل التأخر في إجراء الامتحانات الاشهادية، كل ذلك صعب على الوزارة الحسم في الاختيارات مما دفعها إلى الاستعانة بترشيحات المذكرة الوزارية 03/10لفبراير 2010 بناء على لجان المقابلات المركزية التي اجتازها المعنيون.كما تحدثت المصادر عن التردد الذي رافق العملية خصوصا وان مسؤولي الوزارة يتخوفون من ولوج منتسبين لتنظيمات سياسية "غير مرغوب فيها" لمواقع المسؤولية رغم كفاءتهم المهنية والتدبيرية وقدراتهم التواصلية ومسارهم العملي. وهو ما يفسره البحث والتقصي الذي تقوم به الإدارة المركزية بتنسيق مع مصالح وزارة الداخلية.ويبقى خامس الأسباب أكثر وجاهة في نظر المهتمين وهو تريث الوزارة حتى لا تعيد تجربة أبريل 2010 عندما تم إقصاء الكثيرين ممن حضروا أمام اللجان وأجادوا لكنهم فوجئوا بتعيين أشخاص لم يحترموا المذكرة المنظمة لعملية إسناد المناصب وكل رأسمالهم القرب من هذا المسؤول أو ذاك. مما دفع تنظيمات نقابية ومسؤولين أنذاك إلى الاحتجاج ببيانات أوعبر خرجات إعلامية معتبرين أن المذكرة رقم 03/10 التي تنظم عملية التباري على مناصب النيابة "تحدد شروط هذا التباري في مرحلتين: مرحلة أولى يتم فيها انتقاء المرشحين بناء على نهج السيرة ورسالة الحوافز التي يتقدم بها، ومرحلة ثانية يعرض فيها المعني بالأمر مشروعه الشخصي في النيابة التي يختارها".مشيرين إلى أن تعيين19 نائبا جديدا لم يحترم هذا المعيار، إذ تم "تعيين أسماء في نيابات لم تتبارى عليها أصلا، وفي جهات لا تنتمي إليها وهو ما يدفعنا لمساءلة مفهوم "اللاتمركز" الذي تعتمده الوزارة في بلاغاتها المتكررة. بل إن جهات بعينها وعلى الرغم من وفرة الترشيحات المقدمة بها لم يُحتفظ ولو باسم واحد منها في إطار عملية التعيينات". وعلى افتراض أن المشاريع المقدمة خلال المقابلات كانت ضعيفة، ولم ترق إلى تطلعات الوزارة،تساءل المعنيون كيف لأسماء لم تقدم مشاريع أن تعين في نيابات لم تتبارى عليها أصلا؟. بل تحدث البعض عن أسماء بعينها كانت معروفة "بفوزها" المسبق وهو ما أكدته "التعيينات التي كشفت عن خيوط واضحة للقرابة الإدارية والسياسية". هذه مجمل أسباب التأجيل ، ويتخوف الفاعلون التربويون من تكرار السيناريو السابق ، الذي أوصل الوزارة إلى ما هي عليه الآن من حيرة وتردد في أمرها، وربما سيكشف الموسم الدراسي وما يصاحبه من متغيرات، أهمها الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة، عن أوراق توت ستتساقط عند حلول مرحلة الحساب.