تتطلب ممارسة العمل الديمقراطي وجود درجة عالية من الوعي، فالديمقراطية تعنى التناوب في ممارسة التسيير وتحمل المسؤوليات في المجال التشريعي والتنفيذي... وذلك باختيار ممثلين للشعب عبر صناديق الإقتراع. ورغم أن النظام الديمقراطي البرلماني يضمن الإستقرار السياسي فلابد من الإشارة أو بالأحرى التنبيه أن عدة إنتقادات وجهت إلى حكم الأغلبية المطلقة لأنها ربما قد تسثنى مصالح الأقلية الخاسرة في الإنتخابات أو غير الممارسة لحقها الدستوري في التصويت. والإيجابي في الممارسة السياسية بالمغرب هو التعددية الحزبية، لأن هذه الأخيرة تحافظ على قدر من التوازن حماية لحقوق الأقليات والأفراد بمختلف توجهاتهم، فالنظام التعددي يساهم في ممارسة ديمقراطية فعالة تحافظ على هذا التوازن وحمايته بدستور لايستثني مصالح الأقليات كذلك. إن الخطاب الملكي السامي ليوم 9 مارس كان صريحاً وواضحاً وله دلالات عميقة يجب على المثقفين والسياسيين وحتى الممتهنين للسياسة أن يدركوا معانيها وأن يكونوا جميعا في مستوى المسؤولية. فتأسيس لجنة لصياغة دستور متطور، كان موكول لها ومنذ البداية أن تمارس ديمقراطية تشاركية وهذا بالفعل مايتم إنجازه. فكل الأحزاب والهيئات والجمعيات قدمت مقترحاتها مساهمة منها في صنع القوانين والسياسات العامة للبلاد. إن تعديل الدستور أو إعادة صياغته ليس ضربا من ضروب العبث بل هي مسؤولية تاريخية سترهن البلاد والعباد لفترة زمنية، ومن الضروري التفكير وإعادة التفكير والتريث ما أمكن بدل الإنفعال والإرتجال، فكل كلمة تكتب أو تقال يجب إدراك معانيها جيدا حتى لايمكن أن تحرف مستقبلا أو تؤؤل وتأخذ طريقا آخر يجانب المقصود. ومادامت الديمقراطيات تعتمد على صناديق الإقتراع فينبغي الإشارة أن المصوتين لهم مستويات مختلفة أو أسباب معينة فمنهم من سيصوت على برامج الأحزاب لإنخراطه أو تعاطفه مع إحداها كما أن البعض الآخر سيصوت فقط على الأشخاص بحكم المعرفة أو النفوذ. وليس بالضروري في هذه الحالة أن تصل النخبة المثقفة إلى ما تريده كاملا. لأن النضج السياسي لم يصل بعد إلى مراحل مقتدمة عند بعض الفئات المجتمعية، وعليه فالأحزاب في هذه الحالة لها مهمة التعبئة والتأطير وإقناع المواطنين في المشاركة الفعلية، ولحزب الإستقلال تجربة رائدة ومنذ إستقلال المغرب في تعميق الثقافة السياسية لدى كافة الناس، إذن فالمشاركة الجماعية في هذه الثورة الديمقراطية التي أعلن عنها صاحب الجلالة ستضع حدا لكل التبريرات الواهية الهادفة إلى الإساءة للتطور الديمقراطي بالمغرب والذي ليس وليد الصدف ولاهو تقليد أعمى لربيع الثورات العربية المطلوب إذن وفي هذه المحطة التاريخية من كل السياسيين والمثقفين والمواطنين بمختلف فئاتهم التجاوب مع ما يريده صاحب الجلالة لشعبه من تطور وممارسة سياسية مسؤولة وناضجة لاتلغى المكتسبات بقدر ما تضيف لها إصلاحات أخرى تتطلبها هذه المرحلة. علينا إذن جميعا أن نكون في مستوى هذا الحدث وأن ندرك ما يجب القيام به لتأطير المواطنين، لأننا وقبل الحديث عن الديمقراطيات الغربية لابد من توعية الناس في البوادي والمدن، فالديمقراطية ليست عبثا فهي مسؤولية الفرد والجماعة، مسؤولية أخلاقية وقانونية ووطنية، إن مرحلة الإستحقاقات القادمة تتطلب من جميع المواطنين إختيار برلمانيين لهم من الكفاءة والنزاهة ولم لا المثالية ما يؤهلهم لممارسة عملهم التشريعي أو التنفيذي وفق ما تتطلبه الرغبة الملكية في بناء مغرب ديمقراطي حداثي ضامن للحريات والحقوق والواجبات.