أي تمثيلية للجالية المغربية؟ سؤال ظل مطروحا في الساحة السياسية المغربية منذ نهاية الولاية التشريعية 1984 - 1992 التي عرفت أول تجربة تمثيلية لأفراد الجالية المغربية القاطنة بالخارج داخل مجلس النواب في شخص 5 نواب تم انتخابهم عن طريق الاقتراع العام المباشر من طرف الناخبين المغاربة القاطنين بالقارات الخمس. غير أن هذا السؤال أصبح مطروحا بإلحاح كبير منذ إعلان جلالة الملك محمد السادس في خطاب 9 مارس عن التعديل الدستوري الشامل، حيث وجدها أفراد الجالية المغربية القاطنة بالخارج مناسبة سانحة وفرصة مواتية للقيام بالتحركات اللازمة وفتح حوار عميق ونقاش واسع من أجل ضمان حضورهم القوي في الإصلاحات الدستورية والسياسية المرتقبة من خلال دسترة تمثيليتهم في المؤسسة التشريعية، وإعطاء هذه التمثيلية مدلولها الحقيقي في الانتخابات التشريعية المقبلة، إيمانا منهم بحقهم الدستوري في هذه التمثيلية باعتبارهم مواطنين مغاربة ومادام حق المواطنة يهم جميع المغاربة أينما كانوا، تمثيلية يفرضها مبدأ المساواة بين جميع المغاربة داخل البلاد وخارجها عليهم واجبات ولهم حقوق، بما فيها الحق في التمثيل داخل المؤسسة التشريعية، تمثيلية تضمن لهم الحق في المساهمة في الديمقراطية التمثيلية، تمثيلية تضمن لهم في تدبير الشأن العام على صعيد البرلمان، تمثيلية تضمن لهم الحق في التعبير عن قضايا وانشغالات وتطلعات وانتظارات وطموحات ناخبيهم وتدبير الملفات والشؤون المرتبطة بأفراد الجالية المغربية بالخارج والتي تتنوع بتنوع الدول المضيفة، تمثيلية تضمن لهم الحق في المساهمة في التشريع مادامت الأدوات القانونية تشكل دعامة أساسية لتعزيز دعائم دولة الحق والقانون والمؤسسات ورافعة قوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، تمثيلية تضمن لهم الحق في المراقبة البرلمانية لتدبير السياسات العمومية باعتبارهم حلقة مهمة في هذه السياسات العمومية، تمثيلية تضمن لهم الحق في ممارسة الدبلوماسية البرلمانية من بابها الواسع انطلاقا من مواقعهم بالبلدان المضيفة والعلاقات التي نسجوها وراكموها بهذه البلدان لما فيه خدمة القضايا الوطنية، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية للبلاد وتحسين صورة المغرب في الخارج من خلال دبلوماسية برلمانية فعالة، مقدامة ومنفتحة تستهدف جعل التطور الديمقراطي بالبلاد لصالح الإشعاع الدولي للمغرب، تمثيلية تفرضها متطلبات خلق جسور التواصل بين أفراد الجالية المغربية القاطنة بالخارج، تمثيلية تفرضها التوجيهات الملكية الواردة في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الثلاثين للمسيرة الخضراء وعند قرار جلالة الملك محمد السادس بهذه المناسبة: «تمكين المغاربة المقيمين بالخارج من تمثيلهم، عن جدارة واستحقاق، في مجلس النواب، بكيفية ملائمة»، وذلك «تجسيدا لتجاوبنا العميق مع التطلعات المشروعة لمختلف أجيالها، في ممارسة المواطنة الكاملة، ولضمان مشاركة ناجعة وذات مصداقية لمواطنينا المهاجرين في كل مؤسسات ومجالات الشأن العام». وفي هذا السياق، لابد أن نستحضر تجربة تمثيلية الجالية المغربية القاطنة بالخارج خلال الولاية التشريعية 1984 التي كان من المفروض أن تكون بداية مسار ينبغي تطويره بذل اقبارها، خاصة وأن التجربة نجحت في إسماع صوت الجالية المغربية داخل المؤسسة التشريعية ومعالجة قضاياها الادارية بمختلف أقاليم المملكة وتحسين عمليات عبورها السنوي. وبالمقابل، فإن الممارسة أبانت عن ضرورة إعادة النظر في الهيئات الموكول إليها أمر تدبير شؤون أفراد الجالية المغربية القاطنة بالخارج بما فيها مؤسسة الحسن الثاني للجالية المغربية بالخارج التي جاءت بها الحكومة في التسعينات كبديل للمجلس الأعلى للمغاربة القاطنين بالخارج الذي تضمنه مقترح القانون الذي تقدم به الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية في 1985 في شخص الأخ رشيد لحلو ممثل الجالية المغربية بمجلس النواب ينتمي للفريق الاستقلالي. وكذلك الشأن بالنسبة للمجلس الاستشاري للجالية المغربية بالخارج . وتعتبر الوزارة المكلفة بالجالية المغربية بالخارج القطاع الحكومي الموكول إليه أمر تدبير شؤون أفراد جاليتنا بالخارج والسهر على تتبع ومعالجة قضاياهم، بالاضافة إلى الدور الذي تقوم به وزارة الشؤون الخارجية والتعاون في كل ما يرتبط بشؤون الجالية المتعلقة بالقضايا القنصلية والادارية لدى الدول المضيفة. إن هذا التعدد في الأجهزة الموكول إليه أمر تدبير شؤون الجالية المغربية القاطنة بالخارج يطرح أكثر من تساؤل بخصوص جدواها وفعاليتها ونجاعتها أمام تداخل المهام والاختصاصات والصلاحيات فيما بينها؟ ألا يعتبر هذا التعدد والتداخل شكلا من أشكال التأثير السلبي على تحديد المسؤولية في تدبير الملف وضمان تقديم المحاسبة؟ ألا يشكل هذا التعدد والتداخل إهدارا لجهود الدولة وتبذيرا للمال العام بالنظر للاعتمادات المالية المخصصة لهذه الأجهزة؟ ألم يكن من الأجدى والأفضل اعتماد مخاطب وحيد للجالية يحظى بثقة أفراد جاليتنا ويستجيب لتطلعاتهم وينسجم مع متطلبات الديمقراطية الحقة ويواكب تحديات المرحلة الراهنة من أجل ربح رهان تمثيلية حقيقية للجالية المغربية بالخارج. وسيبقى التساؤل بخصوص: «أي تمثيلية نيابية للجالية المغربية القاطنة بالخارج؟» مطروحا في انتظار الجواب الذي ستقدمه مضامين الاصلاحات الدستورية والسياسية المرتقبة؟