1 منا من يرثي الحاضرَ الذي يمر خلسة ً من باب خلفي إلى مقامه المرصودِ في غياهب النسيانِ أو مِسَلَّة التذكارْ. وفينا من يُعلي شعارَ الحزنِ كتضحية أليمة أمام موت الماضي وانهياره المحتومْ، هناك من لم يحسم بعدُ في أسبقياته أيبكي الحاضرَ أم يبكي الماضي والكل في منزلة وُسطى بين هُنيهة الحضورِ وزمانَيْها : المقيمِ والملتبس المسافرْ، الكل في منزلة الخضوع والتمرد البئيس على الزمان الحاضر الذي يموت قبل أن يموتْ والماضي المتواصل العنيدْ. تنوعتْ عقائدْ واختلفت لغاتْ: أوراق وأشباح ووصْفاتْ كل له جواب عبقريٌّ لم يحْبَل به سؤال، لكلٍّ دعوةٌ بلا برهان ، لكلٍّ جنةٌ يسعى حثيثا لدخولها أثيرا بمفتاحها خبيرا بخرائط الصراط المستقيم. لم يبق من حضيض تحت الجنة الرخيصة إلا النزوحُ ،الطوعيّ المذلُّ ، عن إنساننا والهجرة الكبرى إلى هوامش الحياة والتيْه السَّرْنَمِيُّ في دوائر المتاهة . لكي نغادر الحضيض الآسنْ علينا أن نستنبت الجناحَ ونقتحم الأعالي ، علينا أن نطوِّح بعيدا بأسمالنا ونكشف الستار عن أجسادنا المشروخة، علينا أن نكسِّر القناع والمرآة لكي نرى إنساننا بأعين السماء. 2 ما أجدَّ الوجود إذ يَغْمرنا شعورٌ بحتمية الحياة ما أبهى أن تنفتح الآفاق وتنقذنا من اليومي السائد، كم قِدم كُناه قبلُ ، أيَّ نوع كنا من حياة من قبل أن تلازم الظلال خطواتنا وتنبت الأحلام من يقظتنا ونومنا ومن حال المابيْن. ما أغرب الذهولَ في أذهاننا ولذةَ الحياة في أجسادنا ونحن ،عنْ بينة، نمشي على خيط رفيع واهٍ بين الموت والحياة لكننا نستبعد احتمال الانحدارِ كلَّ حين، في العتبة الأخيرة. يجرفنا الإعصار ونستوهم السكينة كما يبدو المحيط سلْسا صافيَ المرآةِ حين يجرف الإعصارُ عن مرآته الأمواجْ يدفعها إلى صخور الشاطئ الوحشيِّ ورمال الفلوات. أشَرٌّ نحنُ، نحْسٌ مستطيرْ ؟ أم ضوءُ فجر طارئٌ قديم؟ أم نوع من كينونة هجينة ممزوجة من كل شيء خالد متاح: الملحِ والترابِ والأنواءِ والرياح؟ وما مدى موقعنا على مسافة من الأوهام والإلهام؟ فُقاعة ينفخها الهواء والأهواء تورمٌ أنانيٌّ فردي وجمْعي يتنامى حتى يبيد ذاتيا دنياه يراها تتلاشى في الخواء أسماءً وأشلاءً وأحلاما مستحيلة؟ أم بذرةُ سؤالٍ،نحنُ، مشتلُ إبداعٍ وأرحامُ معجزاتٍ وأنظومة أفكار ْ نرْكبها ،أجنحةً، إلى حيث نشاءْ أو ربما نختارها سلاسلاً تسحبنا إلى حيز جاهز مرصود؟ أمْ نحن طفرةٌ لمَّا تصلْ بَعدُ مداها على سُلَّم الما لا تعلمون؟