كان هذا عنوان كتاب «جان ماري جيهينو» الذي بشر فيه بنهاية الديمقراطية مؤكدا أننا مقدمون على عصر إمبراطورى جديد لا يعرف الحدود ولا الحرية ويرى أن عام 1989م وضع حدًّا لعصر الدولة القومية وقضى على القيم العتيقة كالأسرة والعفة ويقدم قراءة استشرافية لذلك المستقبل الإمبراطورى ، عام 1989 هو زمن سقوط جدار برلين حيث إرتفعت أطروحة نهاية التاريخ « لفوكوياما « ..موضوع نهاية الديمقراطية تنواته عدد كبير من الدراسات والأبحاث ، ويمكن إعتبار أحداث 11 شتنبر 2001 حافزا دفع العديد من الباحثين إلى إعادة طرح موضوعة الديمقراطية في بنائها التقليدي من زاوية المسائلة النقدية ، خاصة في ضوء الممارسات التي أقدمت عليها عدة دول ديمقراطية على شاكلة الولاياتالمتحدةالأمريكية لمواجهة ظاهرة الإرهاب حيث يعتبر البعض أن « إصدار قوانين واتخاذ إجراءات مشدّدة اقتربت من حالة الطوارئ ونظام الأحكام العرفية وربما حالة الحرب، على المستويين الداخلي والخارجي، وذلك تحت عنوان «مكافحة الإرهاب» في حملة دولية، خصوصاً بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي 1373 في 28 سبتمبر 2001، أدى إلى تعريض العدالة إلى نقص فادح وتجاوز خطير، لاسيما بشأن تصدّع الحق في المحاكمة العادلة. وأجاز قرار اتخذه الرئيس بوش إجراء محاكمات عسكرية سرّية وضمن قواعد خاصة، وقراراتها غير قابلة للاستئناف، وهو ما فسّره بعض القانونيين الأميركان بأنه تجاوز ضد الجهاز القضائي، وكذلك ضد قواعد القانون الدولي والمعايير الدولية بشأن المحاكمة العادلة، وما جرى في غوانتانامو وأبو غريب والسجون السرية الطائرة، إنما يثير الكثير من علامات الشك حول الديموقراطية »المفقودة«! وذهب بعضهم إلى أكثر من ذلك حين اعتبر هذه الإجراءات انقلاباً تقوم به السلطة التنفيذية على الدستور الأميركي (الديموقراطي)، كما ذهب إلى ذلك البروفيسور بويل (Boyel) الذي قال إنها تتجاوز اتفاقيات جنيف لعام 1949، لاسيما الاتفاقية الثالثة والرابعة.» وفي نفس الفترة شرعت الإدارة الأمريكية لمحاكمات إعتمادا على أدلة سرية ، وهو ما يعني إخلال واضحة بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة ، ونفس الإتجاه وإن كان بدرجة أقل عرفته بريطانيا بعد العملية الإرهابية التي إستهدفت لندن ، وهو ما يمكننا من القول أن عددا من قيم الديمقراطية تم تجاوزها من أجل محاربة الإرهاب ، وهو ما يعني بمفهوم المخالفة أن هذه القيم الديمقراطية عجزت عن مواجهة أساليب الإرهابيين التي نجحت في إستثمار مجال الحريات الفردية إلى أن نفذ صبر الأجهزة الأمنية والإستخباراتية للدول التي عجزت موضوعيا عن التوفيق بين إعمال القوانين المنفتحة وفي نفس الوقت حماية المجتمع وإحباط المشاريع الإرهابية . التحدي الثاني الذي يواجه مسألة الديمقراطية ، هو التحدي الإقتصادي ..حيث صارت المؤسسات والدول رهينة للبورصات والمصاريف والشركات العابرة للقارات واللوبيات الإقتصادية ، وتحولت العملية السياسية والانتخابية إلى دورة بليدة لا تؤثر في صناعة السياسات العمومية ولا تجرأ المؤسسات المنبثقة عنها على مخالفة التوجهات الكبرى لإقتصاد كوكبي ، يعيد إلى الخلف مبادئ ومصالح الدولة الوطنية القطرية لفائدة هويات هجينة تصنعها شركات الإتصال العالمية ومؤسسات صناعة الرأي العام ، حيث تحولت السياسة إلى هويات هجينة تصنعها شركات الإتصال العالمية ومؤسسات صناعة الرأي العام ، وأضحت سلعة للتسويق ، ونجحت مؤسسات الإتصال في صناعة وجوه سياسية وتقديمها لشعوبها على أنها البديل الذي لا محيد عنه، في حين أنها لا تشكل سوى وجوه جديدة لخدمة مصالح المؤسسات المالية الكبرى ورعاية مصالحها . إن الحالة الإسبانية اليوم تفضح كيف أن الإنتخابات الدورية وحرية التعبير وحرية تشكيل الأحزاب ، تظل إمكانيات قانونية بلا قدرة على صناعة التغيير الحقيقي ، إذ أن البنية التي تقوم عليها الديمقراطية في صورتها الحالية ، لا تجعل حقيقة كونها إمكانية قانونية تتحول إلى حقيقة إجتماعية صانعة للتغيير ومؤثرة فيه ، وتوضح وضعية إسبانيا اليوم أن الناس يفقدون ثقتهم بالديمقراطية والمؤسسات والإنتخابات عندما يحاصرون بالفقر والبطالة التي بلغت 22 في المئة وفي أوساط الشباب بلغت 45 في المئة ...وهي وضعية تنذر بتحولات خطيرة في تمثل المجتمع الإسباني للقيم الديمقراطية ، وشخصيا أتوقع أن هذه الحركة لن تتوقف في إسبانيا بل ستمتد لعدد من البلدان الأوربية والولاياتالمتحدةالأمريكية . إن إستمرار الشك في الإختيار الديمقراطي، وإستمرار الإصرار على جعل الديمقراطية مجرد عملية تصويت حر في إنتخابات دورية ، وإستمرار هيمنة الشركات الكبرى على القرارات الإستراتيجية والإختيارات التنموية للبلدان في حدودها الوطنية ، سوف يفتح العالم على خطابات طوباوية عدمية من موقع المعارضة للديمقراطية التقليدية ، خطابات سوف نعاني منها نحن في البلدان المتخلفة بصفة أشد ، وهو ما أصبح اليوم ظاهرا في شمال إفريقيا والشرق الأوسط ، حيث تطرح في وجهنا كل القضايا دفعة واحدة ، فنحن مطالبون بالنجاح الاقتصادي لتحقيق السلم الكل القضايا دفعة واحدة ، فنحن مطالبون بالنجاح الاقتصادي لتحقيق السلم الاجتماعي ، وفي نفس الوقت مطالبون ببناء مؤسسات ديمقراطية عبر آلية الانتخابات ، والجميع يعلم أن الانتخابات النزيهة والشفافة ليست بالضرورة مكن سيصنع الرخاء الاقتصادي ، مادامت المسألة الاقتصادية تخضع لحسابات ورهانات تتجاوز قدراتنا كدول وشعوب . السؤال اليوم هو كيف نطور الديمقراطية كي تتحقق كحقيقة اجتماعية وليس كنصوص قانونية تؤطر الحرية والتنافس السلمي على السلطة ، وفي نفس الوقت نحقق النجاحات الاقتصادية التي تضمن الكرامة وتعيد الاعتبار للدولة والمؤسسات ومن خلالها للفرد كعنصر فاعل في المجتمع ، وأساسا كيف يستطيع المجتمع أن يتخلص من الخطابات العدمية التي لاتملك أي جواب على الإشكالات التي أدمنت توصيفها وتشخيصها ، وأدمنت ركوبها من خلال حركات احتجاجية أصبحت تتسم بالكثير من الانتهازية التي سوف تكون قاتلة إذا إستمرت على نفس النهج ، خاصت عندما يقوده من لا سابقة عهد لهم بالديمقراطية وبعمق المجتمع من اليسارواليمين المتطرفين...