يزخر تاريخ المغرب بعلامات بارزة تمثلركائز الدولة المغربية وتشهد على قواتها واستمرارها. ومن بين هذه الركائز سائر أشكال التنظيم ومنها الجيش وكذلك أعمال البناء والتشييد من مدن ومؤسسات كالجوامع والمدارس وغيرها وقد اهتمت الدولة العلوية كسائر الدول التي تعاقبت على حكم المغرب بالتشييد والتنظيم. ومن بين هذه المنشآت المدن مثل مدينة مكناس وجيش البخاري وجيش شررادة وجيش الأوداية وكذلك بعض السلاطين الذين طبعوا جزءا من تاريخ المغرب مثل المولى إسماعيل وكذلك حملات إرجاع بعض القبائل إلى طاعة المخزن كما هو الحال مع قابلة أولاد أبي السباع في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله وأيضا تعرض بعض الثغور لحملات أجنبية مثل تعرض العرائش لحملة إسبانية وثورة الروكي بوحمارة وكذلك بعض الحركات السلطانية لإخماد تمرد بعض القبائل كما نقدمها في هذه الحلقة لقد تقدم لنا أن البربر طلبوا من السلطان تسريح إخوانهم وأنه بذلك تصلح أحوالهم ويراجعون الطاعة ولما سرحهم نكثوا العهد وازدادوا تمردا فلما أعيا السلطان أمرهم وكل أمرهم إلى الله وعزم على الخروج من مكناسة إلى فاس لما حدث بها من الشغب أيضا، فولى على مكناسة، وجند العبيد ولده المولى الحسن، وكان له علم وحزم، ثم خرج السلطان رحمه الله من مكناسة ليلا على خطر عظيم، وأسرى ليلته ولم يعلم البربر بخروجه حتى أصبح وقد جاوز المهدومة وشارف وادي النجاة، فتبعوه على الصعب والذلول ونهبوا كل من تخلف من الجيش واستولوا على كثير من روام السلطان، وكان مع السلطان في تلك الليلة المرابط البركة أبو محمد عبد الله بن حمزة العياشي، فجعل يكف البربر عن الجيش فلم يغن شيئا لأنه كان كلما كفهم من ناحية أغاروا من ناحية أخرى، وخلص السلطان إلى فاس وقد حنقه على البربر، فلما دخلها أمر بنهب دور البربر القاطنين بفاس فنهبوا كل من فيه رائحة البربرية ولو قديما، فكان ذلك فتنة في الأرض وفسادا كبيرا ، وأقام السلطان بفاس إلى رجب من السنة المذكورة أعنى سنة خمس وثلاثين ومائتين وألف، ثم خرج لاصلاح نواحي بلاد الهبط فوصل في خرجة إلى قصر كتامة فمهد تلك البلاد وأمن سلبها، ورجع إلى رباط الفتح فقدم عليه بها قبائل الحوز على بكرة أبيهم من حاحا والشياظمة وعبدة والرحامنة وأهل السوس والسراغنة وزمران وأهل دكالة وقبائل الشاوية وتادلا، وقدم عليه أيضا قبائل بني حسن وعبيد الديوان، وقبض في هذه المرة على نحو المائة من زعير وأودعهم السجن، ودخل شهر رمضان ففرق عمال القبائل كلا إلى عمله، وأمرهم بالقدوم عليه لعيد الفطر ويستصحبوا زكواتهم وأعشارهم، وكان قد عزم على المقام برباط الفتح إلى أن يقيم سنة العيد به وتجمع عليه العساكر فيتوجه بها لغزو البربر، ثم بدا له رحمه الله فسافر مع قبائل الحوز إلى مراكش في عاشر رمضان المذكور.