يزخر تاريخ المغرب بعلامات بارزة تمثل ركائز الدولة المغربية وتشهد على قواتها واستمرارها. ومن بين هذه الركائز سائر أشكال التنظيم ومنها الجيش وكذلك أعمال البناء والتشييد من مدن ومؤسسات كالجوامع والمدارس وغيرها وقد اهتمت الدولة العلوية كسائر الدول التي تعاقبت على حكم المغرب بالتشييد والتنظيم. ومن بين هذه المنشآت المدن مثل مدينة مكناس وجيش البخاري وجيش شررادة وجيش الأوداية وكذلك بعض السلاطين الذين طبعوا جزءا من تاريخ المغرب مثل المولى إسماعيل وكذلك حملات إرجاع بعض القبائل إلى طاعة المخزن كما هو الحال مع قابلة أولاد أبي السباع في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله لما كان بالمغرب ما تقدم من الفتنة وشغل السلطان بانعاش الضعفاء عن ضبط الأطراف وقمع البغاة بها، نبغت نوابغ الفتن ببعض القبائل منها، وعادت هيف الى أديانها، فمن ذلك قبيلة أولاد أبي السباع باحواز مراكش، فلطالما ارتكبوا العظائم واجترحوا وغدوا في الفتنة وراحوا، واستطالوا على من بجوارهم وغزوهم في أرضهم وديارهم. فلما كانت هذه السنة التي هي سنة سبع وتسعين ومائة وألف، جهز إليهم السلطان العساكر فقاتلوهم وقتلوهم، وانتهبوا أموالهم وشردوهم إلى سوس، وقبض السلطان على كثير من أعيانهم فأودعهم سجن مكناسة الى أن هلكوا به، وأوعز الى قبائل السوس أن يطردوا بقيتهم، وينفوهم الى بلاد القبلة مسقط رأسهم ومنبت شوكتهم وبأسهم ففعلوا، ثم نقل قبيلة زمران بعد الإيقاع بهم الى بلاد أولاد أبي السباع فعمروها، ثم نقل تكنة ومجاط وذوي بلال من شيشاوة الحوز الى الغرب فنزلوا بفاس الجديد وأعماله، ثم أعاد آيت يمور من جبل سلفات إلى تادلا ثم نقل كطاية وسمكت ومجاط من تادلا الى الغرب، ثم أعاد جروان من آزغار الى الجبل. وفي هذه السنة أيضا كانت فتنة الدعى محمد والحاج اليموردي، كان يزعم أنه من الأولياء ويتكلم في المغيبات ويشيع أنه ينتظر صاحب الوقت فسرى فساده في قبيلته وتجاوزها الى غيرها فقصده جهلة البربر من كل قبيل، وأغرى آيت يمور بمن جاورهم من قبائل العرب، وكانوا يومئذ مازالوا بسلفات فتصدى لهم قائد سفيان أبو عبد الله محمد الهاشمي السفياني وجمع له الجموع من قبائل الغرب وصمد اليه وهو في قبيلة آيت يمور فعبر نهر سبو وأنشب الحرب معهم فكانت الدبرة عليه وانهزمت جموع الغرب وقتل القائد الهاشمي المذكور وعدد كبير من وجوه قومه، وتركوا محلتهم بما فيها للبربر، وعظم أمر هذا الدعى وشمخت أنوف قبيلته به وشرى ضلالهم ولما قدم السلطان إلى مكناسة بعث من قبض عليه وساقه اليه فقتله وأراح الناس من وساوسه. وفي هذه السنة بعث السلطان ولده المولى عبد السلام لأداء فريضة الحج لأنه لم يكن أدرك الحلم عام حج مع أخيه المولى علي. ثم دخلت سنة ثمان وتسعين ومائة والف فيها غزا السلطان برابرة زمور وبني حكم فلما أظلهم قدومه اشمروا الى شعاب تافودايت وتحضوا بها، فاحتال عليهم بأن قام عندهم وأوعز الى آيت ادراسن وكروان أن يرصدوهم متى برزوا الى الفضاء فلينهبوهم، فلما توجه السلطان قافلا الى مراكش خرجت زمور من شعابها فلم يرعهم إلا آيت ادراسن وكروان قد أحاطوا بهم فانتهبوا حللهم ووزعوا أموالهم وتركوهم عالة يتكففون الناس.