"لست أنا الفاعل" أو "لقد نظفت أسناني بالفرشاة".. وغير ذلك من عبارات تقال في مواطن الكذب، وهي أكاذيب صغيرة تأتي في إطار مرحلة الطفولة. وما ينبغي أن يعلمه الآباء هو أنّ الأطفال غالباً ما يكذبون لأنّهم يخشون العقاب، لذا يجب على الآباء ألا يمارسوا القسوة على أطفالهم عندما يكذبون، ولكن عليهم أن يبحثوا عن السبب الذي دفعهم إلى عدم قول الصدق. ولا تؤدي الإتهامات والمناقشات المطولة أو العقاب القاسي إلى تحقيق التأثير المطلوب، بل إنّ العكس هو الصحيح، لأنّه عندما يخشى الطفل حدوث مشاجرة مع والديه، فإنّه غالباً ما يُغرق في الكذب، وينبغي على الآباء أن يبحثوا عن سبب الكذب لأنّه يوجد غرض ما وراء كل كذبة. ويحدد كثير من الآباء قاعدة تقول إنّ الكذب محرم، غير أنّ هذا القول المأثور عندما يتم مراعاته بشكل صارم فإنّ الفشل مصيره محتوم. وتقول كارين هوفه بوجي، وهي طبيبة أطفال في مستشفى في ألمانيا، إنّ اللعب بالحقيقة هو جزء من نمو الطفل، غير أنّ الآباء يحتاجون إلى فهم متى يكون الكذب لعبة غير ضارة، ومتى يصبح رد فعل واعياً، وتضيف أنّ الأطفال لا يستطيعون التمييز بشكل صحيح بين ما هو حقيقي وما هو كاذب إلى أن يبلغوا العام الرابع من عمرهم. كما أنّ الأطفال يفتقرون إلى القدرة على تقييم الموقف ككل، وعلى سبيل المثال، كما تقول هوفه بوجي، إذا خطفت طفلة في الرابعة من عمرها شيئاً من شقيقها الأكبر سناً ورد عليها بدفعها بعيداً، فإنّ الطفلة الصغيرة ستتذكر فقط الدفعة، ولن تكون على وعي أن سلوكها هو الذي تسبب في هذه الدفعة. وتضيف إن رد فعل الطفل يبدو بالنسبة إلى الكبار نوعاً من الكذب، ولكنه بالنسبة إلى الطفلة الصغيرة يبدو رد الفعل هذا مسألة واقعية وفقاً لإدراكها. واعتباراً من عمر خمس أو ست سنوات، يتطوّر إدراك الطفل إلى نقطة يقوم عندها بشكل متعمد بإختبار ما إذا كان من الممكن الخروج من موقف ما عن طريق لي عنق الحقيقة، فالأطفال يسرقون قطع الشوكولاتة من وراء ظهور أُمّهاتهم، بينما يقسمون إنّهم نظفوا أسنانهم بالفرشاة. وترى أنيتا كاست زاهن، وهي عالمة نفس ألمانية، أنّ هذه الأكاذيب ليست ضارة ولا يقصد الأطفال منها أن تكون مؤذية. والحقيقة أنّ الأكاذيب ترتبط دائماً بالنوايا، ويوصي جونتر رايخ، في قسم الطب والعلاج النفسي بجامعة غوتنغن الألمانية، الآباء بالإمتناع عن الصراخ الفوري في وجوه أطفالهم عندما يكتشفون كذبة ما، ويقول إنّه ينبغي على الوالدين أن يعرفا السبب الذي دفع إبنهما إلى الكذب. ويوضح رايخ أنّه ربّما كان السبب في لجوء الطفل إلى الكذب هو أنّ الوالدين يميلان إلى المبالغة دون أن يكونا على وعي بتأثير ذلك في طفلهما الذي يقوم بتقليد سلوكهما، وعندما يحاول الطفل أن يخفي درجاته الدراسية المنخفضة، أو دراجته المحطمة، فقد يكون السبب هو أنّه يخشى العقاب، وربّما أنّه يتذكر وقتاً كان رد فعل والديه إزاء الخطأ الذي ارتكبه مبالغاً فيه، أو ربّما قاما بعقابه بسبب إرتكابه شيئاً ما. وفي هذه الحالة يتم توجيه النصح للآباء بأن يحاولوا التحدث مع أطفالهم، ويسألوا لماذا لم يقم الأطفال بقول الحقيقة فوراً، وفي حالة إعتراف الطفل بأنّه ليست لديه الثقة في نفسه، فستكون هذه هي الفرصة لتشجيعه وبث الثقة فيه. وتقول كاست زاهن، إنّه ينبغي على الآباء أن يقولوا لأطفالهم إنّه مسموح لهم على الدوام أن يقولوا الحقيقة، ومن المهم جدّاً أيضاً توجيه الثناء للطفل عندما يقول الحقيقة، بينما يقول رايخ إنّه يجب على الأبوين أن يقولا إنّهما يشعران بالرضا عندما يعترف طفلهما بخطئه.