كتبنا في هذه الزاوية أكثر من مرة عن مسؤولية الإعلام في الدفع بالعملية الديمقراطية من خلال ترسيخ مجموعة من القيم التي تعتبر حجر الزاوية في أي بناء ديمقراطي، وتوقفنا كثيرا عند مسؤولية الإعلام العمومي الذي واصل رياضته المفضلة «البصروية» نسبة إلى وزير «كل شيء» السابق...حيث عمد الإعلام العمومي إلى التغطية على الفاعلين السياسيين عوض أن يعمد إلى تغطية أعمالهم وامتدت هذه الرياضة لتشمل أعمال الحكومة وأعضاء الحكومة وعلى رأسهم الوزير الأول ، لكن هذا وحده لا يمكن أن يفسر لنا ما حدث في الجمعة الماضية على قناة طنجة «ميدي 1 تي في» خلال بث برنامج المغامرات المغربي «إنيجما تحدي»، حيث وجه سؤال إلى أحد المتسابقين حول المنصب الذي يشغله السيد عباس الفاسي ، فظل الشاب المتعلم مشدوها وكأنه سئل عن عدد قطرات الماء التي استعملت في بناء صور الصين العظيم ، لكن الطامة لم تتوقف عند هذا المستوى بل عندما أراد الشاب الاستنجاد بفريقه ، فما كان من أحدهم سوى أن رمقه بعينيه وحاجبيه دلالة على «فوتنا عليك»، هكذا يوجد في سنة 2011 شباب متعلم يشارك في مسابقة من أحدث موضة المسابقات في التلفيزيونات العالمية، وبطبيعة الحال لهم حسابات في الفيسبوك وتويتر، ويمضون ساعات محترمة أمام شاشة الحاسوب وفي رحاب «الشيخ غوغل» ..ومع ذلك لم يستطيعوا أن «يفكوا الخط» في سؤال بسيط حول شخص يتحمل مسؤولية وزير أول في الدولة وهو الرجل الثاني في البلاد بعد الملك. ما جرى يشكل فضيحة واستطلاع رأي بدون «نية» مسبقة، لكنه على قدر كبير من الفائدة والدلالة، وهو يبرهن عن نتائج التعتيم الإعلامي عن الفاعلين السياسيين الذي عمر لسنوات بالتوازي مع تغييب النقاش السياسي بعيدا عن المناسبات كما يجري اليوم عبر أكثر من وسيلة إتصال ..لكن لا بد من إمتلاك فضيلة الصراحة لمسائلة شاب متعلم يملك كل الوسائل التي تمكنه من تتبع الأخبار والبحث عنها، بحيث لا يمكن تبرير عجزه عن التعرف على من يشغل منصب الوزير الأول ، وهو سؤال لو طرح على طفل فرنسي أو أمريكي لقدم الجواب المطلوب في سياقه الوطني .. ليس مطلوبا أن يكون الشاب متفقا مع عباس الفاسي وسياسة حكومته، لكن هذا لا يعفيه أبدا من مسؤوليته الشخصية، وأعتقد جازما أن هناك الكثير من اللامبالاة السائدة اليوم في المجتمع تعزز القيم الفردية والخلاص الفردي وتهمل كل ما هو مشترك وكل خدمة يمكن أن يؤديها الفرد للجماعة بصفته مواطنا ، بل فقط التركيز على ماهو ذاتي وفردي وكل هذه القيم هي ما يشكل خميرة وحش سيقضي على كل طموح ديمقراطي، ليس فقط في المغرب بل في العالم، حيث أصبحت القيم الديمقراطية تتراجع تدريجيا فاسحة المجال للخطابات الشمولية والشعبوية والراديكالية التي تعتبر جرعات قاتلة إذا ما تمكنت من شعب ما. أن يوجد شباب متعلم لا يعرف من يكون الوزير الأول لبلده، وتخرج المسيرات في الشارع للحديث باسم نفس الشباب للمطالبة بحل الحكومة ..أمر يدعو فعلا إلى الحيرة والشك ...هل فعلا هذه المسيرات تتكلم باسم هؤلاء الشباب ؟