في العدد 250 ربيع الثاني 1418 ه موافق لأغسطس 1997 نشرت في مجلة الفيصل الصادرة في الرياض بالمملكة العربية السعودية مقالا عبارة عن مناقشة وتعليق على مقال: الغرب استمرار أم تراجع؟ للمرحوم الأستاذ الشاعر أحمد عبد السلام البقالي أسكنه الله فسيح جنانه، وقد نشره في العدد 247 من مجلة الفيصل. ولما قرأت جريدة العلم العدد 1621755 رمضان 1431 ه 27 غشت 2010 م قرأت بتأثر وأسى عميقين قصيدة لست أنساك!... للشاعر المبدع الأستاذ علي الصقلي والتي ألقاها إثر وفاة المغفور له الشاعر أحمد عبد السلام البقالي، وقامت بإرسالها إلى العلم الشاعرة نجاة المريني. إن قصيدة «لست أنساك» ذكرتني بقصيدة مشابهة في الموضوع وهي: كيف أنساك يا أبي! وهي قصيدة من نظمي نشرتها في إحدى الجرائد المحلية إثر رحيل أبي إلى العالم السرمدي. وبهذه المناسبة الأليمة فكرت في مقال المرحوم أحمد عبد السلام البقالي والنقاش الذي دار حوله واستخرجت ذلك العدد من الفيصل من المكتبة وقرأت المقال مرة أخرى، وأحببت أن أعيد نشره مرة أخرى على أعمدة جريدتنا الغراء... ٭ حينما تصفحت العدد 247 من مجلة الفيصل وقرأت مقال الشاعر المغربي الأستاذ أحمد عبد السلام البقالي، فكرة للمناقشة: الغرب استمرار أم تراجع؟! خطر لي أن أناقش بعض المحاور الواردة في المقال عندما قرأت فقرة «... فتراهم يتساءلون لماذا تقدم غيرنا وتأخرنا... ويضع السلاح ويتجه إلى الماء والقبلة في انتظار حسن الخاتمة». تبادر إلى ذهني، وأنا أعرف ذلك منذ زمان، أن المسلم مطلوب بل واجب عليه أن يقوم بعمل الدارين: الآجلة والعاجلة. ولا يقبل منه أبدا الاهتمام بجانب واحد وإهمال الجانب الآخر، فإذا اهتم المسلم بعمل العاجلة فقط أصبح ماديا محضا، إن لم أقل يعبد المادة وإذا كان يعمل للآجلة فقط كان يفعل فعل الرهبان، فالإسلام ينهى عن الرهبانية ولا رهبانية في الإسلام كما قال منقذ الإنسانية وباعثها الأول من سباتها العميق النبي محمد صلى الله عليه وسلم. إن إتقان العمل والإخلاص فيه هو سر كل تقدم وازدهار بيد أن كل تخلف وتقاعس يعود إلى الغش والخمول وعدم الإخلاص في العمل. إن الراحة الحقيقية تكمن في الكد والنشاط العملي اليومي وليس في الراحة الدائمة المملة، والباري جلت قدرته يأمرنا بالعمل: (وقل اعملوا) [التوبة 105] والنبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول «إن الله يحب من العبد إذا عمل أن يتقن العمل» ويقول أيضا «أحب الأعمال عند الله أدومها وإن قل» ولنا في تاريخنا الإسلامي عبرة. فبالأمس كنا سادة العالم، أجدادنا مكثوا في الفردوس المفقود الأندلس ثمانية قرون، وكان المسلمون في صقلية وفي جميع أنحاء المعمور، وكان يضرب بهم المثل في البطولة والإقدام؛ أما اليوم فلماذا تغير الوضع وأصبح اليهود يستحوذون على أقدس مقدساتنا ويقتلون أبناءنا وينسفون مساجدنا ومنازلنا؟ لأننا تخلّينا عن العمل والتضامن ونسينا قوله تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا» [آل عمران 103]. الواقع أن أسباب تخلف المسلمين بالإضافة إلى ما ذكر تعود إلى أمور أخرى كالهيمنة الاستعمارية وتقليدنا للغربيين وسوء تربية أبنائنا. وحينما نقارن بين أبناء المسلمين وأبناء الغربيين نجد الفرق كبيرا؛ إن الطفل العربي المسلم لا فرق بينه كما يقول الدكتور محمد الوهابي(1) وبين الطفل في الغرب، كل منهما يملك عقلا وجسدا وعينا، والفرق أن الطفل الغربي يتلقى الرعاية الفائقة منذ المهد ويُسْهَر عليه لإعداده لمعركة الحياة. أما الطفل المسلم فيترك هملا، والطفل بلا تربية كأرض بلا رعاية! إن الطفل الذي ينشأ على هذا السلوك سيفقد الإخلاص ويتعلم الغش والخيانة والكذب وجميع الصفات الرذيلة. والآباء مسؤولون بالدرجة الأولى على هذا السلوك. أما ما ذكره المرحوم أحمد عبد السلام البقالي من مشكلة الهجرة فإننا نجد أوروبا بالأمس تشجع المهاجرين إليها، وكانت تطلق عليهم «العمال الضيوف» ولا سيما في ألمانيا وبعد توحيدها تغير الوضع وأصبحوا يطلقون عليهم العمال الأجانب، بل قالوا صراحة في الشوارع أخرجوا عنا أيها الأجانب.. وحتى موتى المسلمين القليلين الذين يدفنون في المهجر يقومون بإخراج رفاتهم ورميها بعد مرور عشر سنوات على موتهم - إن لم يتلقوا المال من أهل الموتى. إن الغرب قد نسي سريعا الخدمات التي قدمها له المهاجرون. والغريب في الأمر أنهم لم يقفوا عند هذا الحد بل قتلوا عددا كبيرا منهم ظلما وعدوانا قصد إرغام الآخرين على الرَّحيل،، بيد أن أمريكا تخالف أوروبا في هذه الظاهرة، حيث أصبحت تشجع المهاجرين إليها ولاسيما أصحاب العقول والعلماء الكبار لتستفيد من عملهم وعقولهم... وأعتقد أن المهاجرين المسلمين في أمريكا أقل بكثير مما هم عليه في أوروبا... إن أوروبا مكتظة بالمهاجرين وضاقت بما رحبت. وبخصوص هاجس الخلود وفسل الأعضاء واستنساخ الحيوانات والإنسان والإنفاق بسخاء على المعاهد والمختبرات لدراسة الظواهر. فرغم ما يحققه البحث العلمي من نتائج باهرة في ذلك فإن قضية الخلود ومحاولة إعادة الحياة للميت كما سبق لفريق من العلماء في أمريكا أن قاموا بذلك تجربة فاشلة. فتبقى هذه الأشياء مجرد خرافات وأساطير لأن هذا الأمر بيد الله وحده يقول الله تعالى: «ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا» [الإسراء 85]. وقد ذكر القرآن أن هناك طائفة من اليهود يودون لو يعمرون ألف سنة، وقد رد الله عليهم بأنهم حتى إذا عاشوا هذه المدة مثلا فإن ذلك لم ولن يبعد عنهم العذاب الشديد. قال الله تعالى: «يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر» [البقرة 96]. إن الإنسان ليس روحا فقط ولا جسدا فقط بل هو روح وجسد معا. وكل من الروح والجسد لا يعرف حقيقتهما المطلقة إلا خالقهما. إن أمور الغيب والروح يعجز الإنسان نهائيا عن معرفة أسرارها وتكوينها وماهيتها وبذلك يبدو السر في ضعف الإنسان وتبدو عظمة الله الواحد القهار الذي خلق الشمس والقمر وخلق الكون ويتصرف في كل شيء، وكل يسير وفق مشيئته وقدرته. الهوامش الدكتور محمد الوهابي طبيب وأديب عاش في المهجر ويقيم حاليا بالحسيمة بالمغرب له رواية «العودة» «وأيا منا في المنفى».