بداية لابد من إبداء ملاحظتين حول مفهوم الانتقال الديمقراطي في السياق الوطني، إذ أن مقاربة هذا المفهوم لا يعدو أن يكون حديثا عن شيء غير مكتمل الوجود من جهة، ومن جهة أخرى موجود وحدث ويحدث في أكثر من مكان في العالم، كمسلسل يهدف إلى تعويض القواعد الأوتوقراطية في الحكم بأخرى ديمقراطية، حيث أن الانتقال حسب بيلودو فليري يعتبر مرحلة بين نظامين مختلفين يتأسسان على تفكيك البنيات القائمة وإعادة تركيبها. أما الملاحظة الثانية فتخص المقصود بالديمقراطي ، فهل المقصود هو أن عملية الانتقال تمر أو يجب أن تمر في إطار ديمقراطي بالمعنى الخاص ،أي بآليات ديمقراطية صرفة انتخابات نزيهة ،فصل تام للسلط، استقلالية القضاء، دستور عصري يفتح مجالا حقيقيا لممارسة الحكم ، مجتمع مدني نشيط ، إطلاق الحريات...، وجملة يمكن القول مع Binder أن الانتقال الديمقراطي عبارة عن خمس لحظات تتناسب مع خمس أزمات وهي: - أزمة الهوية : أي بناء الوحدة الوطنية. - أزمة الشرعية : حيث تتوقف السلطة عن الاعتماد على مرجعيات مقدسة. - أزمة المشاركة: عبر إدماج عدد متزايد من المواطنين بصورة مستمرة في المسلسل السياسي. - أزمة إعادة التوزيع : بإقرار دولة الرفاه. - أزمة الولوج : عن طريق مد السلطة سيطرتها على التراب وعلى المجتمع بكامله إن تجاوز هذه الأزمات هو ما يمكننا من الحديث عن نظام ديمقراطي بما تعنيه الديمقراطية ، من إمكانية للتنافس السلمي على السلطة السياسية دون اللجوء إلى القوة لإقصاء جزء من الشعب كما يؤكد على ذلك لافو ..أم أن المقصود بالانتقال هو «الانتقال نحو الديمقراطية» بمعنى أن عملية الانتقال لاتستدعي تدقيقا كبيرا مادام غايتها هو الوصول إلى الديمقراطية ؟ لكن هل يمكن لأساليب غير ديمقراطية أن توصلنا للديمقراطية ؟ إن العديد من التجارب في العالم لم تقدم أجوبة كافية لهذه الأسئلة، بمعنى أنه ليست هناك طريقة أو أسلوب وحيد أو براديغم / أي نموذج إرشادي للوصول إلى تحقيق الديمقراطية ويكفي التأمل في تجارب كل من اليونان وإسبانيا والبرتغال وتجارب دول أمريكا اللاتينية ، رغم أن بعض الكتابات المختصة في علم الانتقال الديمقراطي رسمت خطاطات نموذجية لعملية الانتقال باعتبار هذه الأخيرة عملية إرادية. فغي هيرمي Guy Hermet ينظر إلى الانتقال الديمقراطي باعتباره شيئا بسيطا ومعقدا في نفس الوقت، حيث تم في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين دون وعي بهدف التحولات التي عرفتها المجتمعات الغربية ،أما اليوم فعملية التحول أو الانتقال إلى الديمقراطية فتتم بوعي تام وبإرادوية مقصودة و أن الانتقال الديمقراطي عملية تتعلق بالوقت أكثر من تعلقها بما تدل عليه بالفعل، وهو بكل تأكيد أمر غامض بعض الشيء ،إنه يمثل الفترة المتغيرة من الوقت التي تنقضي بين سقوط نظام واللحظة التي يصبح فيها النظام الذي يحل محله مسيطرا تماما على السلطة، وهو النظام الديمقراطي، وهي أي عملية الانتقال تنتهي عندما تقيم هذه الديمقراطية لنفسها المؤسسات الشرعية والدستورية، ويحصل القادة الديمقراطيون على الاعتراف بسيطرتهم من جانب الجيش أو المؤسسات، مما يجعل من الممكن انتقال السلطة وهذا ما يظهر جليا في أكثر من بلد يخوض غمار تجربة الانتقال الديمقراطي، والحالة المغربية عند تفحصها جيدا تظهر إلى أي حد اجتهد النظام السياسي وأطراف من المجتمع السياسي والمدني وجهات أخرى معنية ببناء قواعد الانتقال الديمقراطي، بإرادة مبطنة بحدود غير قابلة للتجاوز وبمعدل سرعة لا يتجاوز الإمكانات والحدود المسموح بها من طرف النظام السياسي، حيث تتم عملية بناء الانتقال بجدول أعمال صارم لا يتجاوز في أقصى الحدود توسيع المجال السياسي في وجه مختلف تعبيراته وهو ما يطرح أسئلة جوهرية وعميقة حول واقعية وجود المغرب في مرحلة الانتقال الديمقراطي خاصة مع بعض الممارسات التي بدأت خجولة مع بداية تجربة التناوب لتتطور بشكل سافر في السنوات الأخيرة خاصة مايتعلق بالرغبة في التحكم في الخريطة السياسية بخلق حزب الدولة ورسم حدود للحريات وحقوق الإنسان وهو ما يؤشر على ولوج المغرب أزمة ديمقراطية، حيث أن الأزمة التي تعيشها «حركة الديمقراطية في الوطن العربي هي أزمة القطيعة بين واقع السلطة وواقع الفكر السياسي التقدمي بسبب غياب الوعي المجتمعي وانعدام الإرادة السياسية من أجل بعث نهضة التحديث و دمقرطة المؤسسات لبناء دولة الحق والقانون . ومن ثم أصبح من الضروري والأكيد تولية الاهتمام لهذا الواقع السكوني لمعرفة الأسباب الموضوعية لهذا التردي» حسب أحمد الحجوي، وعندما نتحدث عن الإرادة السياسية فإننا لا نتحدث عن حالة ميتافيزيقية ،بل نتحدث عن التدبير اليومي للسياسة العامة للدولة وحجم مساهمة كل الأطراف.