قد يملك الإنسان السلطة والنفوذ ، فيحكم في جيش عرمرم من الناس ، يطبقون توجيهاته ويحققون رغباته امتثالا وطاعة ، تعتري بعضهم النشوة والزهو لقربهم من مركز القرار ، ويعتري البعض التأفف والضجر من سطوة التحكم إن لم تكن التملك . وقد يملك الثروة والثراء ، يَلمَع اسمه في العقارات والشركات والصفقات ، فيتلهف على القرب منه جمهور من الناس ، يكسرون له أقفال الأبواب المغلقة ، أمل الواحد منهم أن يناله نصيب مما ملكه من كنوز الدنيا ونعيمها ويرتبط اسمه بسهم من سهامه . وقد يكون الإنسان مشهورا بعلاقته بأهل الحل والعقد ، فيقصده ذووا الحاجات لتحقيق مراميهم من خلال مكانته المميزة وحظوته التي لا يعتريها غبار في نظرهم . وقد يملك العلم والمعرفة والذكاء ، وتنتشر أفكاره ونظرياته وآراؤه وحججه في الأوساط ، فيتهافت عليه الطلاب من كل حدب وصوب ليقتنصوا لحظة للتزود من علمه ونبوغه ، عسى أن يمهدوا لأنفسهم الطريق نحو مدارج العلماء والنجباء . وقد يملك القوة والصحة والشباب ، فيقبل عليه المعنيون بهذه الصفات لتزكيته واحتضانه والاعتماد على قواه الجسمية الفتية الغضة في المسابقات والمباريات وكسب الرهانات الظرفية . وقد يملك النجابة والتميز،ويشار إليه بالبنان للقيام بالمهمات الخاصة والمستعصية ، فتمَهَّد له الوسائل وتقدَّم له كافة المساعدات لبلوغ الأهداف المتوخاة . لكن ! هل يستطيع الإنسان أن يملك دماثة الأخلاق وحسن السيرة و السلوك ؟ هل يستطيع الإنسان أن يملك أحاسيس الحنان والعطف والبر والإحسان ؟ هل يستطيع الإنسان أن يملك الخصال الحميدة كنكران الذات والإيثار والصدق والوفاء والإخلاص ؟ إن دماثة الأخلاق ، وحسن السيرة والسلوك ، وامتلاك الخصال الحميدة والصفات الراقية التي لا غبار عليها ، لا تتأتى إلا من خلال تربية حسنة ، وقدوة صالحة ، ومعاشرة أصحاء النفوس ، وإذكاء الروح بقيم الخير والمعروف والحق والعدل ، وممارسة الرقابة الذاتية لتصحيح مسار الأهواء والرغبات ، وتكييف النفس مع الممكن الجميل المناسب . إن دماثة الخلق متى ما تولدت في نفس صاحبها وأغدقت عليه من بهائها وغذته بأصولها وفروعها ، كانت درعا واقيا له من كثير من الآفات الاجتماعية ، لأن دماثة الخلق لا تلتقي حيث مخالب الشر ، ولا تجاري أهواء عليلي النفوس ، إنها لا تحلق إلا حيث صفاء السريرة ونقاء الضمير وطيب القول والفعل .