فقدت مدينة وزان والقبائل المجاورة أحد الوطنيين الصادقين الذين تزعموا الحركة الوطنية بالمنطقة لمكافحة الاستعمار كمناضل استقلالي جعل من حب الوطن هدفه الاسمى في الحياة، جعل من الدفاع عن كرامة الانسان بالمنطقة معركة مستمرة، حيث توفي وهو يتألم من مظاهر الاقصاء والتهميش الذي لازال يعانيه سكان وزان والقبائل المجاورة. إن هذه الخصال الذي ظل يتميز بها المرحوم محمد العمراني ابن الوارث كانت كافية ليضع سكان مدينة وزان والنواحي الثقة في شخصه لتمثيلهم في أول مجلس نيابي عرفته البلاد في 1983 رغم الحرب الشرسة التي خاضتها قوى الشر المعادية للديمقراطية ضد الاستقلاليين خلال الحملة الانتخابية التي انطلقت يوم 17 ماي 1963 مستعملة في ذلك جميع وسائل الضغط والترهيب والقمع ومنع التجمعات الانتخابية الاستقلالية ومحاصرة مكاتب فروع الحزب بالمنطقة كلها واعتقال المناضلين الاستقلاليين وكل المواطنين الذين رفضوا الخضوع «للتعليمات»، بالإضافة إلى أساليب الاغراء، بما في ذلك التعيين في مناصب إدارية وسلطوية والحصول على رخص النقل «لاكريمات» وغيرها من الامتيازات وكذا تسخير امكانيات الدولة للضغط على المواطنين وإغرائهم، بما في ذلك استعمال المساعدات الامريكية لشراء الذمم والتأثير على إرادة الناخبين، وتزوير إرادة الناخبين باللجوء إلى استعمال الوسائل المشروعة وغير المشروعة، بما في ذلك تدخل القوات العمومية لإثارة الرعب والملاحقات والاعتقالات ضد التزام المواطنين بمساندة مرشحي حزب الاستقلال ورفضهم الانضمام للحزب السلطوي. لقد تعرض المرحوم وغيره من مرشحي حزب الاستقلال خلال هذه الحملة الانتخابية لمختلف أشكال الاضطهاد والتعذيب هو ورفاقه في المعركة بمدينة وزان والقبائل المجاورة التي أبانت عن تمسكها بحزب الاستقلال وتشبثها بأفكاره ومبادئه والتزامها بالدفاع عن هذه الأفكار والمبادئ مهما كانت العراقيل والصعاب والتضحيات. ولكن الأخ ابن الوارث رحمة الله عليه المتشبع بالروح الوطنية الصادقة خاض هذه الحملة الانتخابية بعزيمة قوية لربح الرهان وهو مسلح بمبادئ حزب الاستقلال وإرادة الاستقلاليين والمواطنين الشرفاء وإيمانه القوي بضرورة مواصلة الكفاح لبناء صرح الديمقراطية الحقة ومواجهة جميع الصعاب التي خططت لها القوى المعادية للديمقراطية المحتلة آنذاك في جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، هذا الحزب الذي أريد له أن يتأسس قبيل أول انتخابات تشريعية عرفتها البلاد بعد الاستقلال ليكون الحزب السلطوي الموكول إليه صنع خريطة سياسية ضدا على إرادة الشعب لخدمة سياسة معينة وتوجه معين واختيار معين وأفكار معنية لصالح طبقة معينة، وذلك من خلال إفساد العمليات الانتخابية . وبمجرد افتتاح السنة التشريعية، تقدم الفريق الاستقلالي للمشروعية والتعادلية بملتمس وقعه الأستاذ عبد الخالق الطريس رئيس الفريق يوم 28 يناير 1964 أمام مجلس النواب بخصوص ما تعرض له المرحوم محمد العمراني ابن الوارث وكذا المرحوم العربي الزروالي (الدائرة الانتخابية تروال) أثناء الحملة الانتخابية من تعسفات من طرف السلطة المحلية محتلة في شخص قائد قبيلة مصمودة وضابط بالقوات الاحتياطية، حيث عمدا إلى اعتقال المرحومين بعدما قاما بضربهما وهتك حرمتهما ضدا على الحصانة البرلمانية التي يتمتع بها النائبان. وقد اعتبر الفريق الاستقلالي في هذا الملتمس بأن مثل هذه التصرفات لا تمس بكرامة النائبين المعتدى عليهما فقط، بل بكرامة جميع النواب. وطالب الفريق بإحالة الملتمس على اللجنة المختصة قصد إحالته على مجلس النواب ليقول فيه كلمته. وبمناسبة مناقشة هذا الملتمس خلال جلسة عقدها مجلس النواب يوم 28 يناير 1964، ذكر الأستاذ علال الفاسي بما تعرض له النائبان من اضطهاد واعتقال وتعسف من طرف السلطة المحلية بناحية وزان، وطلب من النواب بتضامن الزملاء فيما بينهم وما يفرض من ضرورة القول: «اللهم إن هذا منكر». واعتبر الأستاذ علال الفاسي أنه من حقه مناقشة قضية نائبين تعرضا للضرب والجرح والاعتقال من طرف القائد وأعوانه أمام السلطة التشريعية كنائب برلماني «ضدا على إرادة النواب الذين يقيمون أنفسهم كممثلين للسلطة هنا وكممثلين للحكومة وهم «سيرانو الوزراء»، أي «سيرانوا - بيراغراغ» ذا الأنف الطويل الذي يكون في تلك الرواية ويتكلم باسم الشخص الآخر الجميل، ولا يريد أن يتكلم ». وكانت مساهمة المرحوم في مجلس النواب إيجابية عندما جعل من هذه المؤسسة الدستورية منبرا للدفاع عن كرامة السكان إزاء التعسفات، والمعاملات اللاإنسانية التي كانوا يعاملون بها من طرف أعوان السلطة وكذا العناية بمنطقة وزان في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبنيات التحتية بعدما أبلي أبناؤها البلاء الحسن وقدموا الشهداء لمحاربة الاستعمار كما تشهد على ذلك معارك جبل إيسوال وبوهلال والقشاشدة وغيرها. ورغم انتهاء مهمته النيابية بعدما تم حل البرلمان في 7 يونيو 1965، ظل المرحوم وفيا لعمله الوطني كمسؤول استقلالي بالمنطقة.