قبل سنة ونيف تقريبا، استفاق العالم الغربي على دوي أزمة اقتصادية، كان لها وقع كبير على الاقتصاد خاصة في جانبه المالي الذي يعد عصب الإقتصاد، حيث اضطربت المؤسسات المالية بما فيها الأبناك المركزية العالمية، والبورصات.. فدبّ الخوف والهلع في نفوس الساهرين على تدبير شؤونها، وانفتحت شهوة الإعلام الدولي على الموضوع، فقدم بشأنه تحاليل، وتعليقات، قصد إطلاع الرأي العام حول الأسباب التي كانت وراء اندلاع الأزمة الاقتصادية لكن رغم اختلاف وجهات النظر، تم الإجماع على أن الأزمة حقيقية نابعة من صميم البنية الإقتصادية وذات قدرة فاعلة ومؤثرة على الإقتصاد الأروبي برمته، والتي يقتضي مقاربتها والتعامل معها بمنطق استراتيجي وبمنظور شمولي يحدّان من تداعياتها وتأثيرها الذي قد يمتد لسنوات حسب قراءات الإختصاصيين ، فبدأ الترويج على إثرها لاعتماد سياسة التقشف، كحل عملي إجرائي لمواجهة الأزمة، وهو سلوك اقتصادي لم يجد قبولاً لدى المواطن الأوربي الذي ألف حياة الترف، الأمر الذي أدى إلى إشعال فتيل المظاهرات في العديد من الدول عبر العالم، الرافضة لخطط حكوماتهم المنادية باعتماد سياسات وإجراءات وقائية ترمي إلى تطويق الأزمة، التي بدت مظاهرها وآثارها واضحة وملموسة على أرض الواقع الأروبي الذي شهد جملة من الإنتكاسات مست المجال الاقتصادي حيث تم الإستغناء على العديد من الوظائف في العديد من القطاعات الإنتاجية والخدماتية.. مما أدى إلى ارتفاع نسب البطالة بحجم غير مسبوق في دول الاتحاد الأوروبي، والتخطيط لإلغاء نسبة عالية من الوظائف الحكومية خاصة بالمملكة المتحدة، بحلول 2015، وتخفيض النفقات العسكرية، وهو توجه لم تعرفه السياسة البريطانية سابقا. وفي المجال الاجتماعي،ن بدأ الترويج لإقناع المواطن الأوربي بضرورة اعتماد سياسة التقشف كخيار استراتيجي لا محيد عنه لمواجهة الأزمة المتغلغلة في الكيان الاقتصادي للإتحاد. أما في المجال المالي فقد شهد تداعيات أثّرت بشكل ملموس على القطاع البنكي الذي فقد تقثه في الوسطين الإقتصادي والاجتماعي، وكذا العجز المالي الممثل في عدم القدرة على سداد بعض الدول للديون المترتبة عليها، وعدم القدرة أيضا على تقديم مساعدات مالية لبعض الدول الأكثر تضررا داخل الإتحاد. كما بدت آثارها واضحة علي الاقتصاد الأمريكي الذي لم يسلم رغم قوته وحصانته من التداعيات الكارثية المتمثلة في ارتفاع نسبة البطالة بنسبة لم يسبق لها مثيل محطمة بذلك لقبها القديم «بلاد الفرص والمال والأحلام» إذ أعلنت وزارة العمل أن عدد العاطلين بلغ أربعة عشر مليونا وانهيار المؤسسات البنكية التي بلغ عددها في أقل من سنتين،ن مائة وستة وثلاثون بنكا بعد أن أصابها الإفلاس لقد بدا للمتهم بالشأن الاقتصادي، وغيره أن الأزمة قد فاجأت العالم الليبرالي، حيث المبادرات الحرة، وتحرير الاقتصاد.. وكبدته خسائر جسيمة بل كادت أن تعصف باستقرار دولة بكاملها مثل اليونان التي شارفت وكانت قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس لولا تدخل الاتحاد الأروبي الذي أُرغم على ضخ المليارات من الدولارات في خزائنها لإنقاذ اقتصادها الذي دخل في مرحلة عصيبة.. ومن المحتمل جدا أن يطول تعب الاقتصاد الأروبي، مما سيلزمه الفراش لفترة غير محددة زمنيا، وهي تصاريح مطابقة للواقع الاقتصادي الدولي المأزوم، الذي لاتنبئ أحواله ومعطياته عن انفراج محتمل ومتوقع في المستقبل القريب. ألا يمكن اعتبار الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة بداية عهد جديد سيتم فيه الطلاق رسميا بين الإقتصاد والسياسة؟ وذلك لأن السياسة شقت عصا الطاعة وحملت الإقتصاد مالا طاقة له به؟ ألا يمكن اعتبار الأزمة عهد مكاشفة بين السياسيين والإقتصاديين؟ ألا يصح القول إن السياسة هي التي أنهكت الاقتصاد وقادته نحو شفا الهاوية؟ فمن المتحكم إذن؟ الإقتصاد أم السياسة أم هما معا؟ إنها حقيقة إشكالات ثم تناولها من قبل، فكان الجواب أن «الاقتصاد مرآة الساسة» ثم قيل: «السياسة مرآة الاقتصاد» هناك من يدعي أن الاقتصاد هو المسؤول عن الأزمة، وهناك من يرى أن السياسة هي المسؤولة عن الأزمة. فأيا كان المسؤول، فكلاهما يضع يده في يد الآخر لإيجاد حل للأزمة، التي يسود الإعتقاد أن لا مجال لحلها إلا باعتماد التدبير التشاركي، باعتباره السلوك العملي العقلاني الذي يوجه ويحكم العقلية الغربية الإتحادية التي تؤمن بالخطإ، وتصرح به بشجاعة ومسؤولية، وتعمل جاهدة على الحل في سياق المسؤولية الجماعية بمنطق الكل الذي في نطاقه يفهم الجزء.. وعلى هدي هذا المنطق، تسير الدول الديمقراطية التي يسعى أهل تدبير الشأن الاقتصادي لتقويم بنية الاقتصاد لترسيخ دعائم السياسة، كما يسعى ساسة تدبير الشأن السياسي إلى تقويم البنية السياسية لتقوية دعائم الإقتصاد. تلكم إذن هي طبيعة العلاقة الرابطة بين اقتصاد وسياسة بلاد العم سام المحكومة بالعقلية المؤمنة بالتدبير التشاركي والتكاملي لمقاربة ومعالجة القضايا المصيرية.