يتجه المخرج عبد العزيز أوالسايح في جل أفلامه نحو التركيز على سيناريوهات أكثر التصاقا بالتراث المادي واللامادي للثقافة الأمازيغية ، بدل أسئلة التحولات الاجتماعية اليومية الراهنة، أو قضايا الحداثة وإفرازاتها ، مرتبطا في ذلك المشروع الفني بالسيناريست الحسين برداوز، الذي يحمل نفس الهاجس على مستوى تيمات كتاباته السيناريستية . فأفلام المخرج أوالسايح تحتفي باللغة على مستوى الحوار ، بحيث تبدو مشذبة ومنتقاة المفردات من اللغة الأمازيغية الأصيلة ، مصوغة تارة على شكل جمل عادية وأخرى استعارية رمزية ، قد توظف المثل السائر والمنظومات الشعرية التراثية ، وقد تعتمد الحكاية الشعبية المتداولة ، لتصريف حمولة لغوية قوية، وكأن مسؤولية الحفاظ على المفردات الأمازيغية الأصيلة على مستوى التداول رهان من رهانات أفلام هذا المخرج الشاب . بالإضافة إلى اللغة ، يتم التركيز بشكل متكرر على تأثيث فضاءات الأحداث عبر المشاهد المشكلة لبنيات أي فيلم ، سواء من بوابة سينوغرافيا تحظى باهتمام بالغ ، أو من خلال كاستينغ جيد ، يضمن حسن تنفيذ نقل السيناريو من النص المكتوب نحو الشاشة ، بحيث لايتم تجاهل دور الإكسسوارات والملابس في الإيهام بواقعية الأحداث والشخصيات . 1/ زرايفا ، الأسطورة والتاريخ : تحكي قصة الفيلم حكاية « فاضل « ، الفلاح البسيط الذي سيدشن خصاما مع زوجته « عائشة»، لالسبب ، إلا لكونه اعتمد على إشاعات كل من جاره « بريك « ثم « حجوب «، والتي ملخصها أن زوجة فاضل تحمل بشكل يومي مؤونة الى والدتها المريضة « ءيبا خليج»، وتلك المؤونة مصدرها عرق جبين الزوج. وفي الوقت الذي سيقرر فيه « فاضل» تطليق « عائشة» لذلك السبب ، سيدخل غرفته ، قبل أن يستسلم لحلم طويل ، ستشكل أحداثه القصة الرئيسية للفيلم .. أسابيع بعد الطلاق ، سيلتقي « فاضل « صدفة بامرأة شابة وجميلة تدعى « زرايفا « ، وبعد إعجاب الأم» عكيدة « بها ، سيقترن بها « فاضل « ، وينجبا طفلا ، سيظل حاضرا في بعض مشاهد الفيلم بنعت» الصبي « ، دون ان يحمل اسما معينا .. ورغم أن علامات الخير والرخاء ظهرت في القرية متزامنة مع دخول « زرايفا» إليها ، إلا ان احداثا غريبة اصبحت تقع في قرى مجاورة خلال فترات ليلية منتظمة ، قبل ان تكون قرية « فاضل» بدورها مسرحا لها ، وبموجب تلك الأحداث، يتم الهجوم على حظائر الماشية والتهام دجاجها بالخصوص، مما تطلب تجند الأهالي بزعامة « أمغار» لتشديد المراقبة والحراسة ، أملا في فهم لغز صاحب آثار الجمل التي يخلفها الفاعل المجهول عادة في مسرح الأحداث. قصة الفيلم ستنتهي بكشف اللغز، والتعرف على هوية الفاعل، والذي لايتجاوز « زرايفا» نفسها، إذ تتحول ليلا إلى جسد ممسوخ ، لسبب يرتبط بالمقدس الديني ، ويتلخص في عدم قيامها بما يجب القيام به مباشرة بعد وفاة زوجها ليلة عرسهما تحديدا .. ليست « زرايفا» في المخيلة الشعبية الامازيغية إلا تنويعا إسميا لأسطورة « عيشة قنديشة»، المرتبطة غالبا بوظيفة الزجر والتخويف ، باعتبارها تلتهم الحيوان والانسان ليلا، الى درجة تفنن الذاكرة الجماعية في تخيل صور تجسدها ، مابين « غولة»، « جنية» او وحش ، حسب كل تمثل .. ولأول مرة في تجربة الفيلم الأمازيغي تقريبا ، ستظهر شخصية « الفقيه» مرادفة لشخصية المثقف الواعي والمتنور ، بعد مجموعة من الأفلام التي أظهرت تلك الشخصية بأشكال سلبية ، تتراوح مابين الاحتيال، الاستغلال ، المكر والخديعة، الشعوذة... لقد أدى فقيه القرية دور المثقف بامتياز، ناقلا شخصية « عيشة قنديشة» من بعدها الأسطوري العجائبي، إلى صورتها كشخصية تاريخية واقعية ، يلخصها الباحث مسلك ميمون بشكل لايختلف تماما عن الفيلم حين يقول : « أيام الاحتلال البرتغالي لبعض مناطق المغرب، ظهرت امرأة خارقة تسمى عيشة قنديشة، عبث جنود الاحتلال بقريتها وقتلوا الجميع انتقاما ممن قاومهم مقاومة شرسة ، ولم تنج إلا عيشة التي كانت خارج القرية ، تتابع المذبحة من بعيد، والألم والخوف يشلان أعضاءها، وبعد أن هدأت الأوضاع تفقدت قريتها وحرائقها ...فعاهدت نفسها على الانتقام ، فكانت كلما أسدل الليل سدوله تزينت، وقصدت معسكرات العدو، حيث تنفرد بالحارس تلو الآخر...لقد عظم البرتغاليون هذه المراة الرمز، التي قتلت الكثيرين بأساليبها وغوايتها وفتنتها ، فسموها السيدة ( الكونتيسا)، وتم تحريف الإسم في النطق المغربي إلى ( الكوتيشا) ثم الى ( القونديشا) ثم الى ( قنديشة) ( انظر مجلة عالم الفكر، العدد02 ، المجلد 34 ، اكتوبر/ديسمبر 2005 ، ص.121/122/و الهامش 12 ص 134 ) . 2/ المرأة كنواة للسرد الفيلمي : إذا مانحن صنفنا الشخصيات الذكورية في فيلم « زرايفا» ، فإن الاستنتاج الممكن الخروج به ، يكمن في كون جل تلك الشخصيات لها ارتباط مباشر بعلاقات وتصورات تحضر فيها المرأة حضورا قويا : أ/ المرأة / العقم : تشكل شخصيتا العجوز « بكريم « ثم الشاب « بريك « خير من يمثل لهاته الفئة الذكورية ، حيث أنهما معا لم يرزقا بذرية ، حتى إذا ما استسلم « بكريم « لقدره ، متحملا تسلط الزوجة ، فإن عامل فتوة السن لايزال يمد « بريك « وزوجته بأمل الانجاب . ب/ المرأة / الغياب : لانكاد نعثر على تموضع معين للمرأة عبر مشاهد الفيلم حين يتعلق الأمر بشخصيات ذكورية ترمز لسلطة معينة ، ولعل شخصية « الفقيه» التي تحيل على سلطة الدين والمعرفة ، ثم شخصية « أمغار» الدالة على سلطة « مخزنية» ، أفضل من يجسد هذا النمط ، فعلى مايبدو تتوارى المرأة بقوة حضور تينك السلطتين داخل نسق الاحداث ( هنا نفهم مغزى تصريح احدى شخصيات الفيلم لصديقتها بلزوم قيام النساء بالحراسة مادامت « عيشة قنديشة» انثى ) . ج/ المرأة كوسيلة لإثبات الرجولة : في مشهد من مشاهد الفيلم ، يجمع بين شخصية « حسون» وفتيات القرية ، يعد الأول الفتاة « زهرة» بالزواج ، والشرط الوحيد المطروح هو ضرورة وضع البقرة لجنينها ، وفي مشهد آخر، سيصرح لحجوب أنه لو توفر على اربع بقرات ولودات ، لتزوج الفتيات الاربع اللواتي تعرف عليهن ، كما أنه في مشهد ثالث سيصرح للعجوز «بكريم» بأنه لو كان صادف « زرايفا» قبل لقائها بفاضل لتزوجها، ولتنكر ل»زهرة» جملة وتفصيلا .. وبالنظر الى معاناة حسون كذلك من الخوف ، وطلبه أن ينام الى جانب والدته ، نستنتج ميل هذه الشخصية نحو التفكير الطفولي ولو في مرحلة البلوغ ، لذلك، فالمرأة بالنسبة إليه وسيلة لا غاية، أي وسيلة لإثبات الرجولة ، والتخلص من عقدة اللانضج على مستوى الوعي ( نلاحظ في مشهد معبر، كيف تردد في الانضمام الى صف الرجال حين طالب « أمغار» الرجال بالاصطفاف في جانب، والصغار بالاصطفاف في جانب آخر ) . د/ المرأة ككائن أدنى / محتقر : تحضر المرأة في تصورات « حجوب « تحديدا ، وكانها كائن ممقوت ، لذلك، دافع باستمرار عن موقفه السلبي منها ، المتمثل في الكره المطلق ( وعلى شاكلة الفيلسوف اليوناني القديم، استثنى والدته بحكم العاطفة فقط ) . وفي قمة السخرية منها ، سيشبه النساء في مشهد من الفيلم بسرب صغار الجراد ( اوضيض)، وكأنه يرمز بذلك الى كون الوظيفة البيولوجية الاستهلاكية وحدها المتحققة عند المرأة ، بالاضافة الى تنكرها للجميل.