أثار الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة ، بعد الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي، التي ضمت شخصيات تولت حقائب وزارية في عهد الرئيس المخلوع ، ورموزا من قادة المعارضة وحقوقيين ونقابيين، ردود أفعال متباينة. وكان الوزير الأول المؤقت، محمد الغنوشي، أعلن عن تشكيلة الحكومة، التي ضمت ثلاثة معارضين للرئيس بن علي، فيما احتفظ وزراء الداخلية أحمد فريعة ، والخارجية كمال مرجان، والدفاع رضا قريرة، والمالية رضا شلغوم ، بمناصبهم. في هذا الإطار ، وصف المعارض التونسي المقيم في الخارج، المنصف المرزوقي، الحكومة الجديدة بالمسرحية الهزلية التي «لا ترقى إلى مستوى طموحات شارع قام بثورته على أساس القطيعة الكاملة مع كل أشكال ورموز نظام الرئيس المخلوع بن علي»، مؤكدا عزمه الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية. وقد أثارت التشكيلة الحكومية الجديدة ردودا متباينة لدى عدد من الأحزاب السياسية التي كانت توصف سابقا بأنها موالية، حيث اعتبر المكتب السياسي لحزب« الوحدة الشعبية »، هشام الحاجي، أن الإعلان عن تشكيل هذه الحكومة ، حدث هام بالنظر إلى ما يستدعيه الظرف من توجيه رسائل ثقة إلى الشعب. وقال إن هذه الحكومة، أكانت حكومة وحدة وطنية أم حكومة إصلاح، تعد رسالة هامة، لأن تركيبتها تضم شخصيات من أطياف سياسية مختلفة ومشهود لها بالكفاءة. وشدد الحاجي على أن حزبه سيمد يده لها ، ولن يبخل بالتعاون معها لتجاوز هذه الفترة العويصة التي تمر بها البلاد، وذلك رغم إبعاده من تشكيلتها. و حذر «حزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي» مما وصفه بالترتيبات الجارية «للالتفاف على ثورة الشعب وسرقة إنجازاته بدعم أجنبي واضح ، بهدف ترسيخ خط لا يخدم مصالح الشعب وهويته العربية الإسلامية». وقال في بيان، حمل توقيع أمينه العام أحمد الأينوبلي، إنه يرفض المشاركة في حكومة قائمة على «الإقصاء وعدم إشراك كل القوى الوطنية بدون استثناء» ولا تستجيب لمطالب الانتفاضة الشعبية وأهدافها. ودعا إلى ضرورة مشاركة كل الأطياف السياسية والفكرية بلا استثناء في بناء مستقبل البلاد، كما دعا الشعب وقواه الحيّة إلى اليقظة والتصدي لما أسماها محاولات فرض استمرار أسس النظام ورموزه وأجهزته وخياراته في تحالف مع أطراف «كانت ولا تزال السفارات الأجنبية محجة لها». وقد عرفت تونس العاصمة ومدن أخرى ، عدة مظاهرات نددت بمشاركة الحزب الحاكم في الحكومة، وتهتف بسقوط «التجمع الدستوري الديمقراطي» «الديكتاتوري», واستعملت الشرطة خراطيم المياه في الشارع الرئيسي للعاصمة في محاولة لتفريق المحتجين. وتأتي هذه التطورات بينما بدأ الهدوء يعود تدريجيا إلى البلاد رغم أصوات إطلاق الرصاص التي تسمع أحيانا, حيث تطارد قوات الجيش بعض الفلول من المسلحين من أتباع الرئيس الهارب زين العابدين بن علي . و قد استؤنفت حركة النقل الداخلي وعودة الموظفين والعمال إلى أعمالهم، رغم أن حظر التجوال لا يزال ساريا خاصة في الليل، علما أن بعض الدوريات التابعة للأمن الوطني والجيش الوطني ، ما زالت تجوب بعض الشوارع الرئيسية للعاصمة. يذكر أن وزير الداخلية التونسي في الحكومة المؤقتة ; أحمد فريعة قد أعلن أن الإحتجاجات الاجتماعية التي دفعت الرئيس بن علي إلى الفرار خارج تونس، خلفت 78 قتيلا و94 جريحا وخسائر مادية كبيرة. وقال فريعة ، في مؤتمر صحفي، إن جميع القتلى والجرحى هم من المدنيين، دون التطرق إلى خسائر قوات الأمن خاصة أن وزارة الداخلية أشارت سابقا إلى سقوط جرحى في صفوف عناصر الأمن. وأضاف فريعة الذي تولى وزارة الداخلية قبل ساعات من مغادرة الرئيس بن علي تونس، أن هذه الاحتجاجات الشعبية خلفت كذلك خسائر مادية قدّرت بنحو 3 مليارات دينار تونسي (2.11 مليار دولار). وأضاف إنه تم تدمير وحرق 33 معتمدية، و13 بلدية، و46 مركزا للحرس الوطني، و85 مركز شرطة ، و43 فرعا لمؤسسات مصرفية ، و66 مؤسسة تجارية، و11 مؤسسة صناعية. وأكد فريعة أن تلك الاحتجاجات شعبية ، وليست ملكا لأي طرف سياسي، محذرا من الدعوات لإحداث فراغ سياسي في البلاد، وإقصاء التونسيين الذين يعملون في أجهزة الأمن أو الذين ينتمون إلى الحزب الحاكم السابق.