خلد الشعب المغربي أمس الثلاثاء الذكرى 67 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال والديمقراطية، هذه الوثيقة التي تجسد روح الوطنية الصادقة التي دفعت بمجموعة من الوطنيين الصادقين للتضحية بالغالي والنفيس من أجل عزة الوطن وكرامة أبنائه ، هذه الوثيقة التي فجرت معركة الاستقلال باتفاق تام بين الحركة الوطنية الممثلة في حزب الاستقلال وجلالة الملك المغفور له محمد الخامس طيب الله تراه، هذه الوثيقة التي أبانت عن نضج الحركة الوطنية ووحدة صفها وقوة عزيمتها وإرادتها في مواجهة الاستعمار الاستيطاني من النوع الثقيل، هذه الوثيقة التي وحدت أفراد الشعب المغربي من أجل مواجهة القوة الاستعمارية مهما كانت التضحيات حتى يعيش المغاربة أحرارا في وطن حر، هذه الوثيقة التي أعطت للعمل التأطيري الذي قاده حزب الاستقلال لصالح الحركة الوطنية قوته ومناعته ونجاعته بعيدا عن أي مزايدات كيفما كان شكلها، هذه الوثيقة التي أبانت عن بعد نظرالحركة الوطنية ورؤيتها الشمولية عندما ربطت بين استقلال البلاد وإقرار الديمقراطية مادام الاستقلال يبقى بدون جدوى إذا لم يتمتع أبناء الوطن بالديمقراطية الحقة بأبعادها السياسية والحقوقية، هذه الوثيقة التي أكدت للمستعمر وللعالم أجمع روح التلاحم بين العرش والشعب عندما تمسك حزب الاستقلال بعودة محمد الخامس من منفاه أولا وقبل الشروع في بحث السبل الكفيلة باستقلال البلاد باعتبار الملك يمثل الشرعية الوطنية ورمز البلاد ووحدتها كما تجسد ذلك بجلاء خلال مفاوضات إكس- ليبان، فكانت عودة محمد الخامس إلى وطنه في 1955 تجسيدا لهذا التلاحم القائم على حب الوطن عندما اعتبر جلالته أن عودته إلى وطنه هي بمثابة الجهاد الأصغر نحو الجهاد الأكبر بالنظر لمتطلبات مرحلة ما بعد الاستقلال. إن الوفاء لروح الوثيقة المطالبة بالاستقلال والديمقراطية، يقتضي منا استحضار الأهداف النبيلة التي رسمها مقدمو هذه الوثيقة الخالدة وإلى أي مدى تم تحقيق هذه الأهداف ، سواء على مستوى استقلال البلاد مادام النضال مستمرا والمعركة متواصلة من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية أو على مستوى إقرار الديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة وضمان تكافؤ الفرص وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية في إطار التعادلية الاقتصادية والاجتماعية التي قدمها حزب الاستقلال في 11 يناير 1963 باعتبارها امتدادا لوثيقة المطالبة بالاستقلال والديمقراطية ذلك أنه إذا كانت بلادنا قد عرفت إصلاحات مهمة نحو تجاوز مخلفات الماضي الأليم في مجالي الديمقراطية وحقوق الإنسان وما ترك ذلك من صدى طيب لا يمكن نكرانه إلى من طرف الجاحدين، فإن هذا التوجه الجديد نحو تحقيق الهدف المنشود مازال يعرف نوعا من التعثر نتيجة عراقيل مرتبطة أساسا ببقايا عقليات الماضي، المفروض القطع معها ، قد يكون لجيوب المقاومة التي توجهها المصالح والامتيازات المكتسبة والمتنامية والتي تتخوف مما يحدث من تطور نحو الديمقراطية وتخليق الحياة العامة، بما في ذلك تمييع الحياة السياسية وعرقلة تأهيل الأحزاب السياسية وتمكينها من المناعة اللازمة والآليات الضرورية للقيام بالدور المنوط بها دستوريا في المساهمة في تأطير المواطنين وتنظيمهم وتمثيلهم وترسيخ روح المواطنة وتربية الأجيال الصاعدة على المشاركة الديمقراطية وتحصينها من مساوئ الفراغ السياسي بما يضمن للبلاد قوتها ومناعتها في ظل النظام العالمي الجديد المطبوع بالعولمة والتكنولوجيات الحديثة. إن الوفاء لروح وثيقة يناير 1944 يقتضي الاستمرار في العمل المسؤول والملتزم من أجل استكمال الإصلاحات وتجاوز كل العراقيل والتعثرات والانحرافات وتمكين البلاد من العيش في ظل دولة المؤسسات والحق والقانون وإعطاء الديمقراطية دورها الفاعل في إدارة الشأن العام لكونها تبقى المسلك الوحيد لمواجهة التحديات المطروحة وربح رهانات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة لضمان الاستقرار والطمأنينة لجميع أفراد المجتمع في ظل مجتمع تعادلي تسوده المساواة وتكافؤ الفرص وصيانة كرامة الإنسان وحقوقه الكاملة وسيادة القانون الذي يستمد روحه من الشريعة الإسلامية السمحاء.