كشفت «مصادر متطابقة» كما جاء في خبر نشرته جريدة الصباح في عددها 3332 ليوم الأربعاء 29 دجنبر 2010 عن «إمكانية مناقشة مشروع جيمس بيكر معدلا قليلا، بحيث يكون هناك حكم ذاتي تحت إشراف الأممالمتحدة ثماني سنوات، متبوعا باستفتاء لتقرير المصير حول الحكم الذاتي أو الاستقلال أو الانضمام... وحسب نفس المصدر، تأتي هذه «المبادرة» المقترحة «لإنهاء الصراع حول نزاع الصحراء، وذلك بالدفع في اتجاه حل يحظى بتنازلات متوافق عليها بين الأطراف... في ظل مخاوف أوروبية وأمريكية من التصعيد في منطقة المغرب العربي وتحول الساحل والصحراء إلى ملاذ جديد لتنظيم القاعدة». يأتي هذا التصور لحل النزاع المفتعل في الصحراء المغربية بعدما تأكدت القوى العظمى من خطورة الوضع بمنطقة الساحل والصحراء التي وجد فيها تنظيم القاعدة متنفسا كبيرا وفضاء واسعا للتنظيم والتأطير والقيام بأنشطتها بنوع من الحرية عندما وجد عناصر هذا التنظيم تعاونا كبيرا ودعما قويا من قبل عصابات البوليزاريو التي تدربت في دول معروفة بهذا التوجه المعادي للأمن والسلم الدوليين. إن المخططين لهذا التصور يخطئون كثيرا إذا كانوا قد صمموا على مكافحة تنظيم القاعدة وإتباعه بمنطقة الساحل والصحراء على حساب قضية الوحدة الترابية لبلد ضحى أبناؤه بالغالي والنفيس بمجرد تعرضه لاستعمار متعدد الجنسيات. لقد نسي الذين وضعوا هذا التصور بطولات الشعب المغربي وملاحمه الخالدة لمواجهة كل المؤامرات التي استهدفت وحدة كيانه الوطني كما تجلت في معركتي وادي المخازن وأنوال، تقديم وثيقة 11 يناير 1944 للمطالبة بالاستقلال، ثورة الملك والشعب في 20 غشت 1953، النضالات التي خاضتها القبائل الصحراوية المغربية ضد الاحتلال الإسباني، العمليات البطولية التي قام بها جيش التحرير ضد القوات الاستعمارية في عدد من مناطق الصحراء المغربية، المسيرة الخضراء المظفرة التي شارك فيها 350 ألف مواطن ومواطنة في 6 نوفمبر 1975 لتحطيم الحدود الوهمية التي وضعها الاستعمار الإسباني بين المغرب وأقاليمه الجنوبية وإنهاء الاحتلال الإسباني بهذه الأقاليم بعدما استعاد المغرب طرفاية في 1958 وسيدي إيفني في 1969 . لقد تجاهل الذين خططوا لهذا التصور مدى تمسك الشعب بأرضه وبوحدته الترابية باعتبارها قضية مقدسة لا تقبل أي تنازل كيفما كان شكله ورفضه المطلق لأي حل سياسي لا يحترم وحدة المغرب الترابية وسيادته الوطنية، وأن مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب لتجاوز الأزمة المفتعلة بمنطقة المغرب العربي تدخل في إطار الجهوية الموسعة الهادفة إلى تمكين سكان الأقاليم الجنوبية المسترجعة من تدبير شؤونهم المحلية في ظل السيادة الوطنية الكاملة كيفما كان شكل هذه الجهوية التي تشكل الإطار القانوني الكفيل بدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة وتجسيد التوازن المجالي وتحقيق العدالة الاجتماعية وإعطاء اللامركزية بعدها الحقيقي. لقد تناسى مخططو هذا التصور أن تصفية الاستعمار الإسباني في الصحراء قد تمت في إطار احترام الشرعية الدولية ابتداء من قرارات الأممالمتحدة، بما فيها قرار اللجنة الرابعة الخاصة بتصفية الاستعمار في 16 أكتوبر 1964، الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 15 أكتوبر 1975 الذي أكد على وجود روابط قانونية وولاء وبيعة بين سكان الصحراء وسلاطين المغرب، اتفاقية مدريد الموقعة بين المغرب وإسبانيا في 14 نونبر 1975 التي أنهت الاستعمار الإسباني بالصحراء المغربية ووضعت حدا لمسؤوليتها وسلطتها كقوة احتلال في إطار الاحترام التام لمبادئ ميثاق الأممالمتحدة. لقد أغفل مخططو هذا التصور أن استرجاع الصحراء المغربية تشكل حلقة مهمة في استكمال الوحدة الترابية، بما في ذلك تحرير مدينتي سبتة ومليلية والجزر التابعة لهما من الاحتلال الإسباني كما جاء في خطاب جلالة الملك المغفور له محمد الخامس في فبراير 1958 : «إننا سنواصل العمل بكل ما في وسعنا لاسترجاع صحرائنا وكل ما هو ثابت لمملكتنا عبر التاريخ». وكما أكد جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه عندما اقترح جلالته على إسبانيا في 1987 : «تشكيل خلية للتفكير تنكب على بحث مشكل الجيوب الذي يجب إيجاد حل له في إطار الحفاظ على حقوق المغرب التي لا تقبل التفويت وعلى المصالح الحيوية لإسبانيا في المنطقة». وكما اعتبر جلالة الملك محمد السادس أن «شراكة متبكرة جديدة، متوازنة مستوحاة من المنطق والتقدم، تأخذ بعين الاعتبار متطلبات البلدين المتبادلة، لا تزال في حاجة إلى البناء». ويعتبر استرجاع الصحراء الشرقية جزءا لا يتجزأ من استكمال الوحدة الترابية مادامت الجزائر مصرة على عرقلة الجهود الرامية لبناء المغرب العربي الكبير وإلغاء الحدود بين أقطاره باعتباره أمل شعوب المنطقة وتطلعات أبنائها لتحقيق تقدمها الاقتصادي والاجتماعي في ظل عصر التكتلات. لقد جاء هذا التصور المؤامرة في الوقت الذي أجمع فيه الشعب المغربي على أن وحدة المغرب الترابية، وسيادته الوطنية غير قابلة للمساومة كيفما كانت الضغوط، والإكراهات عبر عن ذلك من خلال المسيرة السلمية المنظمة بالدار البيضاء، في الوقت الذي أكد فيه ممثلو الأمة رفضهم المطلق لأي حل سياسي لا يحترم وحدة البلاد الترابية وسيادته الوطنية خلال الجلسة العمومية التي عقدها كل من مجلس النواب ومجلس المستشارين عندما أصدر البرلمان الإسباني توصية تمس بمصالح المغرب وحقوقه المشروعة وسيادته الوطنية على أقاليمه الجنوبية المسترجعة، في الوقت الذي رفض فيه جلالة الملك محمد السادس أي خرق أو تعديل أو تشكيك في مغربية الصحراء أو محاولات استفزازية لفرض الأمر الواقع وتغيير الوضع القائم كما جاء في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 35 للمسيرة الخضراء. إن الملاحم البطولية التي خاضها الشعب المغربي للدفاع عن وحدته الترابية أثبتت فيها بلادنا على الدوام قدرتها على تكسير مؤامرات خصوم هذه الوحدة والتصدي لمخططاتهم الهادفة الى المس بالسيادة الوطنية والاستعداد التام لتقديم مزيد من التضحيات للدفاع عن حوزة الوطن وعدم التنازل عن حبة رمل من أقاليمه الجنوبية المسترجعة مهما كانت التحديات ليعيش المغاربة أحرارا في وطن حر وموحد.