نحن نتحدث هنا عن أهم تكتل اقتصادي وسياسي في العالم، دول أوربية كثيرة وضعت تنوعها اللغوي وتعدد مراجعها الحضارية والدينية خلفها، ووضعت أمامها التعاون الاقتصادي، وأكدت في تجربة تظل متميزة على كل حال بأن التعاون الاقتصادي يمكن أن يشق طريقه بنجاح رغم الصعوبات الناتجة عن التعدد اللغوي والديني، ولم يكتب للعالم العربي والإسلامي أن يستفيد من هذا الدرس حيث رغم توحد المراجع اللغوية والعقائدية والحضارية بصفة عامة، لم يحظ التعاون الاقتصادي بموقع متقدم في اهتمامات الدول العربية والاسلامية. المقارنة بين هاتين الكتلتين الاقليميتين لا تتوقف عند هذا الحد الذي يبدو فيه الاتحاد الأوربي كتلة موحدة، ضاغطة، قادرة على ضمان مصالح شعوبها، والذي تبدو فيه دول العالم العربي والإسلامي مجموعة أكشاك صغيرة جدا يصعب التعامل معها، بل المقارنة التي تقفز إلى مقدمة الانتباه هي أن دول الاتحاد الأوربي 27 أقرت منذ مطلع سنة 2008 بأن التحدي الأكبر الذي تواجهه لا يكمن في قدرتها على تسريع وتيرة التعاون الاقتصادي الذي قطع أشواطا بعيدة جدا فيما بينها، ولا في قدرتها التفاوضية التي زادتها الوحدة قوة ومناعة وحصانة، بل اعترفت بأن التحدي الكبير الذي تواجهه يتجسد في قدرتها على التحول سريعا إلى اقتصاد معرفة يكون الأكثر تنافسية ودينامية في العالم بعد مرور سنتين على أكثر تقدير. والواضح أن دول الاتحاد الأوربي وضعت يدها على الجرح الذي كان يتسبب في آلام حادة للجسد الأوربي، بالنظر إلى ما كانت تراكمه اقتصاديات عالمية جد متطورة من مكاسب كما كان ولايزال يحدث مع الصين واليابان وكوريا الجنوبية، لذلك انتبه الأوربيون وسارعوا إلى ضمان شروط الانتماء إلى هذا العالم الجديد الذي لاينتظر ولايعترف إلا بالأقوياء. لقد تبين للإتحاد الأوروبي أن تراجع دوله في المجالات التقنية أضحى مؤكدا وأن وتيرة التقدم في هذا المجال بالنسبة لبعض الدول الأسيوية كاليابان وكوريا الجنوبية تسير بسرعة فائقة، وأنه وخلال المدى المنظور ستجد دول القارة العجوز نفسها بعيدة عن الركب، غارقة في التخلف، ولاحظ الاتحاد الأوربي أن تأخره التقني مرده تطور أنظمة الأنترنيت والانعكاسات الاقتصادية المتقلبة لأسعار العملة الأمريكية، وتسجيل حضور لافت لعملات جديدة كما هو الشأن بالنسبة للين الياباني، وما كان من دول الاتحاد الأوروبي قبل سنتين خلت غيرالاتفاق وبسرعة على خارطة طريق جديدة تستند إلى وضع استراتيجية نمو تنافسية جديدة، مرتكزة أساسا على الابتكار وتكون الموارد البشرية المؤهلة لعمودها الفقري. ويهمنا أن نسجل في هذا الصدد أنه لم يكن من حل أمام الدول الأوروبية من خيار آخر غير ضمان شروط ابتكار حقيقية، تجسد ذلك في برنامج الاتحاد الأوروبي للبحوث والتطوير يغطي الفترة الفاصلة مابين 2007 و2013 وبتمويل بلغت قيمته 2.53 بليون أورو وفي إنشاء المجلس الأوربي للبحوث وفي إحداث المؤسسة الأوروبية للتكنولوجيا، وسارعت إلى تسهيل حركة الباحثين. في الدول الأوروبية في إطار برنامج (ERA-NETS) ضمنت تمويل ماسمته بمشاريع البحوث «العابرة للحدود» وإنشاء مراكز التميز الكبرى وإعطاء الأسبقية في مجال رعاية البحوث لتلك التي تكون لنتائجها انعكاسات اجتماعية مباشرة، كما هو الشأن بالنسبة لتغير المناخ وشيخوخة السكان والأمراض المستعصية، كما قررت دول هذا الاتحاد الرفع من الميزانيات المخصصة للبحوث في مجالات التعليم والبحث العلمي خصوصا في الشق المتعلق بالاستثمار. نعود إلى نقطة البداية، فإذا كان التعاون الاقتصادي التقليدي الذي حقق نتائج مذهلة لفائدة الدول الأوروبية لم يشبع الحاجيات هناك، فما الذي يمكن أن يقال على الدول العربية التي لاتزال تبحث في نزاعاتها المستعصية عن أبجديات هذا التعاون التقليدي؟ إننا نبتعد تدريجيا بسنوات ضوئية كما يحدث في عالمنا المعاصر.. إنه ليس مجرد شعور بالقلق والأسى، بل إنها الحقيقة التي ستلقي بالعالم العربي والاسلامي خارج العصر.. قريبا.. قريبا. bakkali _alam @ hotmail.com