في مقال له بصحيفة «ذي إندبندنت» البريطانية, علق الكاتب روبرت فيسك على احتفال أقيم مؤخرا في الجزائر العاصمة, مجدت فيه الحكومة الجزائرية الثورة التي وضعت حدا للاستعمار الفرنسي للبلاد قبل أكثر من نصف قرن, لكن فيسك شدد على أن ما تلا ذلك خلف جروحا عميقة للغاية في هذا البلد. وخلال هذا الحدث ، الذي قال فيسك إنه أقيم للاحتفاء بمرور 60 عاما على صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 1514 الذي طالب بمنح الاستقلال لكل الشعوب المستعمرة مع تركيز خاص على الجزائر واللاجئين الفلسطينيين و«البوليساريو» , نبه الكاتب إلى أن أحدا لم يتفوه بكلمة حول 6000 رجل وامرأة قتلوا تحت التعذيب على يد الشرطة والجيش ورجال الأمن الجزائريين المقنعين خلال تسعينيات القرن الماضي. وكان الكاتب قد بدأ مقاله، الذي اختار له عنوان: "مأساة المفقودين في الجزائر" ، بوصف لوحة على جدار مكتب المتحدثة باسم جمعية أسر المفقودين "نجدة المفقود" ، ناصرة دوتور، تشكلت من صور مئات بل آلاف الأشخاص الملتحين والحليقين والشباب والشيب والنساء المتحجبات، وصورة لفتاة شعرها مربوط بشريط وهي تبتسم. وذكر أن "نجدة المفقود" قد أخذت هذا الاسم من محاكاة مقصودة لما أطلق على البحث عن "المفقودين" في تشيلي والأرجنتين. واعتبر الكاتب أن الحكومة الجزائرية ، باستعراضها خلال هذا الاحتفال للرؤساء السابقين أحمد بن بلا ، والدكتور كينث كاوندا ، وثابو مبيكي، إنما أرادت أن تشيد مؤسسة جديدة من خشب أو إسمنت؟- فوق القبور الجماعية ل250 ألف "شهيد" قضوا في نزاع مختلف (عن حرب الاستقلال) هو الحرب الأهلية التي شهدتها الجزائر بين عامي 1990 و1998. وأعرب فيسك عن إعجابه بالعبارة "الجديدة الجميلة" التي أطلقها النظام الجزائري على حمام الدم المذكور، إذ أطلق عليه اسم "المأساة الوطنية", و"كأن تعليق الانتخابات والحرب الوحشية ضد الجماعة الإسلامية وما تميزت به من ذبح للعائلات وقطع للرقاب، كانا مجرد مسرحية لشكسبير, كأوثيلو أو هاملت". ثم يعرج فيسك من جديد على دوتور وفريقها الصغير من الفتيات المتطوعات الجريئات اللاتي يواصلن تقييد أسماء المزيد من العائلات التي تبحث عن جثث أو بقايا ضحايا قوات الأمن الذين فقد أي أمل في العثور عليهم. ويتحدث الكاتب عما يتعرض له هؤلاء الفتيات من تحرش من قبل قوات الأمن, قبل أن يكشف أن كتبا كثيرة بدأت تدون ما جرى في تلك الحقبة المريرة من تاريخ الجزائر, حيث كان بعض عناصر الشرطة يصبون الماء عبر حناجر معتقليهم إلى أن تمتلئ بطونهم وتنفجر. ويستعرض فيسك بعضا من تلك العناوين التي تؤكد أن الخوف من الماضي لا يزال ماثلا ، وأن كل شيء يحدث يخلف آثارا, وهو ما قال الكاتب إنه يلخص شعور النظام الجزائري اليوم, إذ ينظر إلى المستقبل بعين واثقة في حين ينظر إلى الماضي بعين خائفة ويتصرف بحكمة خشية عودة كوابيس تسعينيات القرن الماضي. ويختم الكاتب مقاله بسؤال لدوتور عما ينتابها حين تسمع الضباط الأميركيين يمجدون قوات الأمن التي عذبت وقتلت كل هذا العدد من الجزائريين خلال الحرب الأهلية. وردا على ذلك يقول فيسك أخرجت الناشطة صورة قديمة لابنها أمين عندما اختطف بداية عام 1997, وعمره 21 عاما ولم تره منذ ذلك الحين، ثم تحتضن صورته كما لو كانت درعا تحتمي به وتفلت منها عبارات باللغة الفرنسية قبل أن تصرخ بتأثر شديد: "فضيحة".