مرة أخرى نجحت اسرائيل في تدوير القضية الفلسطينية في دوائر جديدة لتستمد بذلك مزيدا من الوقت حتى تنتهي من رسم أبعاد الصورة التي يريدون ان يفرضوها على المفاوض الفلسطيني بشأن الدولة الجديدة ، مدعومة بالموقف الأميركي الضاغط من أجل استئناف المفاوضات دون تقديم اي بادرة امل من جانب اسرائيل، وقد اصبحت آلية المناورة الاسرائيلية واضحة كالشمس في كبد السماء . فبالتنسيق مع واشنطن يتم رفض الطروحات العادلة ، ثم يأتي ميتشل بأفكار جديدة ، ثم يتم الضغط على الفلسطينيين للتفاوض حولها ، وتتظاهر اسرائيل في غضون ذلك باستعدادها للتفاوض (دون شروط مسبقة) وهكذا دواليك. وهذه المرة جاء المبعوث الأميركي (بأفكاره الجديدة) وبالطبع يتم الاعلان عن تفاصيلها ، ثم سيتم تسريبها إلى الاعلام ، وغالبا الاعلام الاسرائيلي أو الأميركي ، ليقوما بالترويج لها لجس نبض الطرف الفلسطيني وابتكار صياغات جديدة للضغط والإغراء، ثم التحذير في النهاية من ترك الفرصة تمر وقد لا تعود كما سبق وقالت كلينتون من قبل ، ولكنها عادت مرات بعد ذلك. فأفكار ميتشل الجديدة لا تخرج عن الصيغ القديمة ، وهي قدس شرقية وهمية عبارة عن قرى وتلال محيطة بالمدينة المقدسة يتم الترويج لها على انها القدسالشرقية التي يريدها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم، ثم عرض بتبادل الأراضي بحيث يتم بموجبه اقصاء الفلسطينيين عن القدس والضفة ، وعزلهم في معازل جافة وعقيمة ومشتتة على شكل (كانتونات). وهي ذاتها الطروح التي تتداولها اسرائيل واميركا منذ مفاوضات كامب ديفيد 2 خلال حقبة وجود الرئيس الاميركي بيل كلينتون في السلطة في تسعينيات القرن الماضي، اما ما يطلبه الفلسطينيون مثل وقف الاستيطان، والضمانات الأميركية ، والقوة الدولية لحماية حدود الدولة المرتقبة ، فكلها طروحات ترفضها اسرائيل ، وتحت ستار السرية التي تفرضها اسرائيل وواشنطن على المفاوضات يجري الضغط على القيادات الفلسطينية للقبول بها في اطار مفاوضات غير مباشرة جديدة حتى الأراضي التي كان يعرضها الاسرائيليون على أنها القدسالشرقية في جبل أبوغنيم والعيزرية يتم الآن بناء بؤر استيطانية فيها لفرضها كأمر واقع يمزق اشلاء العاصمة الفلسطينية المطروحة . فإلى أي مدى ستستمر هذه المسرحية الهزلية؟ انه سؤال موجه إلى لجنة المتابعة العربية من كل إنسان عربي وفلسطيني، التي اجتمعت اللجنة لبحث طروحات ميتشل الجديدة القديمة بوجود الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، وحتى يتم الاستفادة من الزخم الذي أوجدته اعترافات دول ذات ثقل في اميركا الجنوبية ، كالبرازيل والأرجنتين بإعلان قيام الدولة والدعوة لمزيد من الاعتراف بها حتى لا يظل ضجيج المسرحية الجديدة يمنح الاسرائيليين مزيدا من الوقت لزرع مزيد من الالغام الاستيطانية في طريق العملية السلمية.