عبد القادر الإدريسي تعلّمنا في المدرسة الاستقلالية أن الولاء للوطن والولاء للملك هما جزءٌ من الولاء للدين، وأن الولاء على المستويات الثلاثة هو عينُ الولاء للدولة المغربية، ففي المفهوم الوطني الذي تبلور في مبادئ حزب الاستقلال، تقوم الدولة المغربية على دعائم ثلاث؛ أولاها الإسلام، وثانيتُها الوحدة الترابية، أي الحدود الطبيعية للدولة المغربية، وثالثتُها العرشُ المغربيُّ الذي هو النظام الذي ارتضاه المغاربة، والذي تحت مظلته خاضوا معركة التحرير من أجل الاستقلال، والذي هو الجامع لأطراف المغرب والضامن لسيادته الوطنية. والولاء للدولة المغربية لا يزاحمه ولاء آخر على أي مستوى كان، فذلك هو المضمون العملي للوطنية الحق، والمعادل الموضوعي للمواطنة المحض. ولذلك فإن شعار المملكة المغربية المنصوص عليه في الدستور: (الله، الوطن، الملك) يعبّر بعمقٍ وبوضوحٍ كاملٍ وبدقة متناهية عن تعلّق المغاربة بوطنهم، وعن ولائهم لدولتهم، وعن وفائهم للمبادئ الوطنية وللخصوصيات الروحية والثقافية والحضارية. وليس من العقل ولا من الحكمة ولا من المشروعية في شيء، التشكيك في العقيدة الوطنية، والطعن في شعار المملكة المغربية. فهذا تخريفٌ وهذيانٌ. بل هذا ضربٌ من العقوق والجحود ينمّ عن خلل في التفكير وقصور في الفهم ونضوب معين الوطنية. ويبلغ الأمر درجةً قصوى من الانحراف في التفكير، إذا صدر هذا التشكيك والطعن عن تعليل ديني. ذلك أنه ليس في شعار المملكة أيُّ ضرب من الشرك والعياذ بالله، وهو من قبيل التعلّق بالوثن كما يهرف بما لا يعرف ويهذي هذياناً شديداً. وإنما على العكس من ذلك كلّه، هو شعارٌ توحيديٌّ بالمفهومين الديني والوطني. والغريب أن يصدر هذا البهتان من شخص يقدم نفسه للناس في إهابٍ من الدين. وكنا قبل هذا الوقت نتلقى هذا الاتهامَ الباطلَ ممن لا صلة لهم بدينهم الذي نشأوا عليه. وكان موقف هؤلاء واضحاً ومتسقاً مع ما يؤمنون به من عقائد. أما أن يتصدّى شخصٌ يقول ربِّي الله ويعلن عن نفسه أنه المنقذ من الضلال، ليسفّه شعار المملكة ويزعم أنه وثنٌ، فهذا تحدٍّ ما بعده تحدٍّ، وجرأة ما بعدها جرأة، وسلوك أبعد ما يكون عن الحكمة والتعقل والتبصّر والتديّن الحق المبرأ من الغرض والهوى. إنَّ الولاء للدولة المغربية هو ارتباطٌ وثيقٌ بالمبادئ السامية والثوابت الراسخة التي يؤمن بها المغاربة. فالولاء للوطن من الإيمان، والولاء للملك من الوطنية، وهما معاً أساسُ الولاء للدين الحنيف الذي جمع هذه الأمة (الأمة هنا بمعنى الشعب حسب منطوق الدستور) ووحَّد بين عناصرها وصهرها في بوتقة واحدة عبر تطاول الأحقاب، حتى صار شعارها هو: الله، الوطن، الملك، قبل أن تؤسس الدولة العصرية ويصاغ الدستور. في هذه المرحلة التي تختلط فيها المفاهيم وتتعرض فيها الحقائق للتزييف، لا عاصم لنا إلا ترسيخ الولاء للدولة المغربية بثوابتها، وبرموزها، وبمقدساتها، وبخصوصياتها جميعا. فهذا هو مصدر القوة للدولة، وللوحدة الوطنية، وضمان لصون الوحدة الترابية. من هنا نبدأ، ومن هنا نعلم، أما السادرون في غيّهم، فَدَعْهُم يهيمون في وادي الأوهام وأضغاث الأحلام، فلا خير فيهم، أما الخير كل الخير ففي الولاء المطلق للدولة المغربية.