بقدرة قادر، طفت على السطح مشكلة القرصنة البحرية التي تستهدف السفن الغربية في المياه الصومالية وخارجها . وبقدرة قادر أيضا ، تم تدويل القضية ، وصِيغَ في شأنها قرار دولي يسمح للدول الغربية باتخاذ كل الوسائل الممكنة لمحاربة القراصنة . لقد تمكّن ، بالفعل، مجموعة من المسلحين من فرض وجودهم ، سواء في المياه الإقليمية الصومالية أو في المياه الدولية ، لدرجة دفعت الدول القريبة من الصومال من إعلان التأهب ، وإبداء الاستعداد الكامل ، إلى جانب الدول الغربية ، لمحاربة هذا المدّ الذي يهدد الملاحة البحرية في واحدة من أهم نقط العبور البحرية التي تمر منها يوميا العشرات من السفن . وقد نجح تكتيك المسلحين في إثارة الانتباه إلى أزمة الصومال التي يتداخل فيها الإسلامي والمسيحي ، والعربي والغربي ، في تحالفات تفرضها طبيعة الوضع في بلد لم يتمكن ، لحد الآن، من النجاة بجلده من توترات ونزاعات تبدأ على الإيقاع القَبَلِي العرقي لتتحوّل إلى صراع سياسي عقائدي إيديولوجي يحمل في طياته الكثير من المخاطر على بلد ظل يترنح بين الهويات على أمل الوصول إلى ما يُتْبِث ملامحه النهائية التي تبعثرت عبر تراب جغرافية غيرمحددة . هنا بالضبط تكمن الأيدي الأجنبية التي تلعب ، تارة من وراء ستار، وتارة أخرى بوجه مكشوف ، لتغييرهذا الصومال الإسلامي العربي الذي يناطح بقرن واحد ، مُتآكِلٍ، أكثر من قرن، مُسَنَّنٍ، في القرن الإفريقي . ليس غريبا أبدا الحضور الإثيوبي المسيحي ، المعزز ، ديبلوماسيا وسياسيا وعسكريا وإعلاميا .. بجميع أنواع الدعم الغربي المسيحي . ولا يغربنّ عن البال الاهتمام الكبير والمتزايد للعواصم الغربية بهذه المنطقة الإستراتيجية التي تُشكِّل ، فيما تشكل، نقطة عبور ضرورية ، بين إفريقيا وآسيا عبر منطقة الخليج ، وبين القارة السمراء والقارة العجوز عبر قناة السويس . إذن الرهان كبير وخطير. لذلك لم يأت َتحَرُّك الغرب حبّاً في الصومال أو لسواد عيون الصوماليين، بل من أجل ضمان مصالحه التي تتمثل في استمرار المراقبة والسيطرة على شريان بحري يغذّي اقتصادياته أكثر مما ينعش حياة الصوماليين البؤساء الذين لا يكادون يتخلصون من أوزار أزمة طويلة قاسية حتى يغوصون في أعماق أزمة أخرى أطول وأعنف . لقد ظل الصومال يُجَسِّد ، في ذاكرة الشعوب الإفريقية والعربية والإسلامية ، وجميع الشعوب التي تنتمي لعالم البؤس والتخلف ، المثال الحي للمجاعة الفتّاكة ؛ وما زالت صور المواطن الصومالي الحيّ /الميت حاضرة في هذه الذاكرة المنخورة بدورها بضنك الهموم المعيشية ... وبالرغم من تشابك التدخُّلات والتداخلات ، وتعَقُّد التقاطعات والمتقاطعات ، وتَشَعُّب المسالك والمسلكيات، تبقى صورة أخرى ، ما زالت حيّة ، حاضرة وقوية ، في نفس الذاكرة : صورة المقاومة الشعبية التي تُسْقِط، بالوسائل المتاحة ، أعتى الامبراطوريات، وتُخْرِجُها مدحورة مذمومة . وما زال الرأي العام الدولي يستحضر، في خضم الأزمة الصومالية السهلة الممتنعة الخروج غير المشَرِّف للولايات المتحدةالأمريكية بقوتها العظمى التي لا تُقْهر. من المؤكد أن القانون الدولي سيسمح ، كما سمح ويسمح للقوى الكبرى ، بغزوة أخرى لكل من يتجرأ على معارضة الغرب في رسم الخريطة التي يريد للصومال . وما «المحاكم الإسلامية» أو «القراصنة» ، أو أيّ تنظيم يقاوم الأجانب اليوم أو غدا، سوى مظهر من مظاهر هذه المعارضة الصومالية التي ما زالت على قيد الحياة ... بقدرة قادر.