ودعت السنة المدرسية قرابة 12مليون طفل وشاب ينخرطون في المنظومة التعليمية في المغرب وتونسوالجزائر، عدا الذين تحفل بهم مقاعد الجامعات والمعاهد والكليات العليا. وفي مقارنة سريعة لعدد الناجحين في الباكالوريا هذا العام ، في البلدان الثلاثة يتضح أن أعلى نسبة نجاح تلك المحققة في الجزائر بحوالي 61 في المائة تليها تونس ثم المغرب بنسب أقل. على أن الظاهرة المتعاظمة هي تلك المتمثلة في نجاح ساحق لعدد البنات قياسا إلى البنين. ففي الجزائر كان 65 في المائة من الناجحين بناتا، بينما اكتفى البنون بنسبة 35 في المائة، وإن كانت النسبة أقل للبنات الناجحات في تونس فالأرقام المتوفرة بالنسبة للدورة الأولى تفيد بأن 61 في المائة تقريبا من بين الناجحين هن من الفتيات، فيما يبدو المغرب أكثر اعتدالا بنسبة نجاح للبنات في الدورة الأولى في حدود 50.68 في المائة. ويجد ذلك تفسيره في أن التمدرس بين الفتيات ما زال لم يبلغ مداه في المغرب ، فيما كل الفتيات في سن الدراسة في تونس يذهبن إلى المدرسة ، ويواصلن تعليمهن . ويبدو أن ظاهرة تفوق البنات على البنين في النجاح في الباكالوريا أصبحت ظاهرة عالمية ، وتجد تفسيرها بين علماء السوسيووجيا في أمرين اثنين: 1) تفرغ الفتيات للدراسة أكثر من الفتيان ، بسبب الضوابط الإجتماعية وقلة فرص الخروج للشارع. 2) بسبب الحرص على الدراسة ، فالبنات ككل الأقليات وكذلك ككل الذين يشعرون بالضيم يتجهون للدراسة للتعويض عما يعتقدون أنه يحرمهم من أشياء متاحة لغيرهم. كما أن مواصلة التعليم يعتبر ترقية في السلم الإجتماعي. وبهذه الصورة ففي تونس وفي الجزائر تقتحم الفتيات أبواب الجامعات بأعداد أكثر كثافة من الفتيان. والذين يتولون التدريس يشاهدون هذه الظاهرة الغريبة المتمثلة في التفوق العددي في بعض أقسام الجامعات للبنات قياسا بالفتيان. غير أن ظاهرة أخرى تبدو ملفتة للنظر ، وهي العدد الأكبر من المتفوقات قياسا إلى المتفوقين. ففي الباكالوريا التونسية احتكرت الفتيات المراكز الأولى في غالب الإختصاصات ، ونتيجة ذلك فإن التوجيه الذي يعتمد معدلات النجاح عادة ، يسجل نيل الفتيات العدد الأكبر من المقاعد في الكليات والمعاهد التي تسمى نبيلة كالطب والصيدلة والهندسة بمختلف فروعها. وفي حفل تخريج في إحدى الكليات رأيت كيف إن 21 من بين 24 من الحائزين على شهادات تفوق كن من الفتيات . ويقول أستاذ في الطب إن ثلاثة أرباع المدرجات مليئة بالفتيات ، وقال لنا وزير للصحة إنه يجد كل الصعوبة في توفير أطباء الإختصاص في المدن الداخلية، باعتبار أن غالب هؤلاء هم من السيدات ، والمتزوجات عادة من كوادر عليا مقراتهم في المدن الكبيرة. ولعل هذه الظاهرة لجديرة بالبحث من قبل حلقات البحث الجامعية ومن أساتذة علم الإجتماع ، ظاهرة مزدوجة متمثلة في عدد أكبر من الناجحات وأحيانا بنسب كبيرة ، ومراتب تفوق أعلى للبنات ما يؤهلهن قبل غيرهن لنيل الإختصاصات الطبية والهندسية أكثر من الفتيان. *كاتب صحفي رئيس التحرير السابق لصحيفة الصباح التونسية. [email protected]