ركن خاص بذكريات رجال ونساء التعليم : اللقاء الأول مع التلاميذ، العلاقات مع محيط المؤسسة التعليمية، العلاقة بالرؤساء والزملاء، طرائف وقعت خلال الحياة المهنية وغيرها من الذكريات... كاتبونا عبر البريد الالكتروني [email protected] كنا نضيء بالشمع أو الغاز وكان زملاؤنا في الطابق العلوي يستعملون البطارية مما كان يتيح لهم الاستماع إلى محمد ارويشة من السابعة صباحا إلى الحادية عشر ليلا،نفس الأغاني والآهات والشجن، وكانت العقارب والثعابين حاضرة معنا حتى في غرف النوم ...ولم نر لحم الخروف في السوق أبدا وعلمت متأخرا أن بعض الجزارين كانوا يذبحون أكباشا ويوزعون لحمها على القائد الممتاز، والقائد والخليفة ورجال الدرك وبعض رؤساء المصالح (الصحة، التعليم، التعاون الوطني...) أما نحن فكنا نشتري كل يوم اثنين المصادف ليوم السوق لحما لبقرات عجاف ، ونفس الأمر بالنسبة للقمح الصلب لم نر له أثرا،كان هناك الشعير والذرة أما القمح فهو للصفوة ونحن كنا من الرعاع... كان كل أستاذ يتوفر على سرير خشبي لشخص واحد يضع تحته حقيبة سفره وكان كل الحديث والنقاش ينصب حول الحافلات والانتقال والسفر والعطل، كان البعد والإبعاد هو العامل المشترك بين كل الأساتذة إذ أنهم لم يختاروا أو يطلبوا هذا البلد غير ذي زرع ولا ضرع باستثناء المدير والحارس العام، وحتى المفتشون كانوا يحسبون ألف حساب للانتقال إلى تالوين ، كانوا نظرا لبعد المسافة ومصاريف التنقل يأتون في يوم واحد وعلى متن سيارة واحدة اقتصادا وتضامنا...ويقيم لهم المدير وبعض الأساتذة حفل غذاء على شرفهم، أو تملقا منهم، إذ لم تكن المدينة – القرية تتوفر لا على مطعم ولا على فنادق، إذا استثنينا فند ابن تومرت الخاص بالسياح العابرين من أكادير نحو وارزازات، وكنا نقصده مع نهاية كل شهر عند استيلام المرتب_المنحة لنتناول بعض المشروبات الكحولية، وهنا شربت أولى قنينة للجعة...وفيما تبقى من الأيام كنا نتوجه إلى مقاه شعبية لشرب الشاي أو القهوة ولعب (كولف أزير). كان السفر من وإلى تالوين قطعة من جهنم...يوم كامل للذهاب حتى مراكش أو أكادير ثم امتطاء الحافلة ليلة كاملة حتى البيضاء، أما أبناء طنجة أو وجدة فمعاناتهم كانت أكبر...انظروا إلى هذه التعيينات الغريبة أستاذ من أكادير يعين في طنجة وابن وجدة يرسل إلى تيزنيت وخريج المدرسة العليا أو مدرسة المعلمين أو المركز الجهوي بالرباط يطوح به إلى طانطان أو طاطا أوطا... فقط!هذا إذن خلط للأوراق والتعيينات حتى يزدهر سوق التدخلات والرشاوي والمحسوبية والزبونية والحزبية ، وكم من أستاذ اشتكى في الوزارة أو النيابة فقيل له أن اذهب إلى باب الحد في الرباط لأخذ البطاقتين الحزبية والنقابية ونقوم بتنقيلك...ولن أنسى ليلة ليلاء سافرت فيها، وهل هذا سفر إنه درب الآلام، من البيضاء على تالوين على متن سيارة فورد طرانزيت صحبة العديد من التجار والبضائع ولما اقتربنا من مدينة مراكش- تفتقت عبقرية السائق عن فكرة الخروج عن الطريق المعبد الرسمي والمرور بين الدواوير وسط الغبار والحفر ونباح الكلاب وتطاير الدجاج كل ذلك تجنبا لحاجز الدرك وكأننا كنا نهرب المخدرات أو الأسلحة! كان المنظر رهيبا ونحن نجتاز على متن حافلة، ربما كتب عليها على (جناح السلامة) فج تيزي نتاست، كنا على علو مرتفع وتحتنا الوادي السحيق وبه بقايا حطام شاحنات وسيارات...كان المسافرون يبدءون في الصلاة على النبي والتكبير والنطق بالشهادة بمجرد الوصول إلى ممر الموت، وبعدها بدقائق يخلدون إلى نوم عميق! كيف تنام في مثل هذه الظروف ومصيرك معلق بين جبلين والسبيل ضيق وقد اختفت بفعل الثلوج الطريق المعبدة على بعد كيلومترات من مسجد ابن تومرت بتنمل...حين وصلنا إلى السهل في الحفظ والسلامة منعني الحياء فقط ونظرة الآخرين من الذهاب عند السائق المفتول العضلات لتقبيله وشكره...هو ذا ربما شعور ركاب طائرة أصاب محركها عطب في السماء وسط عاصفة هوجاء واستطاع الربان أن ينزل بها بسلام ...أقسمت بعدها أن لا أستقل حافلة تمر من تيزي نتست... في يوم 27 فبراير 1981 جاء عامل وارزازات محمد بوفوس والذي كان على علم بوجود معتقلات أكدز وقلعة مكونة وتكونيت والتي كانت في تراب نفوذه وخطب فينا، وقبل خطبته العصماء تكلم عضو البرلمان بن الطالب ورحب برجل السلطة وقال كلاما فارغا لم أعد أتذكره بعد ذلك تم تدشين تعاونية الزعفران وكذا دورا معدة للأساتذة ودار الطالب التي دشنت مرارا ولم تفتح أبوابها للمستفيدين، كل ذلك كان بمناسبة 3 مارس أي عيد العرش. بعدها ذهبنا في رحلة إلى أسكاون وتفنوت قرب السفح الشرقي لطبقال، عند الفجر وجدنا خليفة القائد هناك يشرب الشاي مع الشيخ منتظرا قدومنا، اختار البعض البقاء في السفح نظرا لوعورة التضاريس وطلبا للسلامة وتسلقت مع الشجعان الجبل الشامخ حتى حدود بحيرة تفنوت.. بكت خطيبة أستاذ من الألم والعياء كنا نضحك ونحن نحج إلى منطقة أسكاون عرين المقاومة وجيش التحرير. قبلها بأشهر وبمناسبة عيد المنجمي، دعانا عمال منجم بوعازر للكوبالط إلى قضاء يوم حافل بين أحضانهم مكافأة لنا على تدريس أبناءهم وعرفانا بتضحياتنا،وكان هناك ارويشة وشيخاته، واقترحوا علينا النزول إلى قاع المنجم وقد قبل البعض وقد رفضت الفكرة خوفا، فأنا أتسلق الجبل لكني أهاب الغوص في أعماق الأرض! ....(يتبع)