مرة أخرى، ولن تكون الأخيرة، يتم استغلال أجواء الانفتاح التي يعرفها المغرب من طرف مأجورين اسبان يدَّعُون أنهم نشطاء لاستفزاز بلادنا ، بالقدوم ، بحرا، إلى العيون . لكن الدرس هذه المرة كان بليغا.لقد استقبلهم جمهور من السكان والفاعلون الجمعويون بالعيون ، وهم يحملون الأعلام الوطنية، ويرددون :«مرحبا بكم كضيوف. فالمغاربة معروفون بالترحيب بالضيف وإكرامه ..» ولما اتّضح للسكان والفاعلين بالعيون أن القادمين مجرد عملاء وجواسيس تحاول المخابرات الجزائرية تسخيرهم كعادتها للإساءة للمغرب وتقديمه على أنه أسوأ منها ، ردوا عليهم«لا مرحبا بكم . الصحراء في مغربها ، والمغرب في صحرائه..» هكذا ، لن تنطلي الحيلة على أحد. وكفى من استغلال مشاعر الاحتفاء والتكريم التي جُبِلَ عليها المغاربة . وكفى من الكيل بمكيالين من طرف إعلام اسباني أَحْوَل. فعوض أن يفتح هذا الإعلام عينيه الواسعتين لما يجري من قمع وقتل واستهتار كامل بحقوق الإنسان في مخيمات تندوف والجزائر، حيث يتم التنكيل بالمحتجزين المغاربة على مدار الساعة واليوم والليل والسنة ، فإن عيون هذا الإعلام تتحوّل (لأنها مصابة بالْحَوَل) إلى الصحراء المغربية أملا في إيجاد موضوع أو حادث عابر للاشتغال عليه فترة من الزمن يبررون به الأجور التي يحصلون عليها من مال الشعب الجزائري . وجدلاً ، إذا كان هذا الإعلام مع أطروحة تقريرالمصير في الصحراء ، فلماذا لا يركِّز عينيه على منطقة القبائل الجزائرية ، حيث الناس هناك أعياهم انتظار الحلول التي تأخذ بعين الاعتبار مشاكلهم وتطلعاتهم وخصوصيتهم الثقافية واللغوية؟ لماذا لا يطالبون بتقرير مصير«البوليساريو» في الصحراء الجزائرية وإنشاء دولتهم هناك ما دامت هذه الجزائر تحبّهم كل هذا الحب (الذي لا يستفيد منه حتى الفلسطينيون أصحاب قضية عادلة..) وهي الحاضنة والمُرْضِعَة والداعمة والمانحة ؟ إذا كان هذا الإعلام الأعور شغوفا بفكرة الانفصال إلى حد الثمالة ، فلماذا لا يُحَوِّل انتباهه إلى منظمة «إيتا» الباسكية التي هي أقرب إليه من حبل الوريد؟ ولماذا لا يسيح في أرجاء القارة الأوربية ، حيث بذور الانفصال وبوادره توجد في أكثر من بلد أوربي ، أو يتجول في أركان القارة الإفريقية للعثور على حركات انفصالية هنا وهناك(كحركة تحرير دلتا بنيجيريا) ، ويمدها بالدعم الإعلامي والسياسي. ؟ أم هل كاميرات وأقلام هذا الإعلام مسكونة بهاجس اسمه المغرب يقض مضجعها ، ولا تحس بقدر من الراحة والسكون إلاّ بإلحاق الأذى ، بأيّ وسيلة، بالمغرب. لقد جاء الوقت لتنشغل الجزائر بجدّ ب«حريرتها» قبل أن ينقلب السحر على الساحر وتجد نفسها «غارقة حتى الأذنين» بما لا قِبَلَ لها من المشاكل الكامنة في جوفها . وجاء الوقت لتقتنع هذه الجزائر ، التي جرّبت ، منذ استقلالها إلى اليوم، جميع أساليب الإيذاء والإضرارفي حق المغرب، بعبثية نهجها الذي لم يجر عليها هي نفسها سوى الخيبة تِلْوَ الخيبة، وعلى العلاقات بينها وبين الرباط سوى المتاعب ، وعلى المنطقة المغاربية سوى المزيد من المشاكل الزائدة، وتعود إلى رُشْدِها ، وتعلنها توبة نصوحا، وتقلع عن عادتها القديمة التي ما عادت تُؤْتِي أُكْلَها.. ولن يحك جلدك مثل ظفرك .. كما يقال. لقد تكالب على المغرب ، في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين ، أكثرمن إعلام من أكثرمن نظام عربي ، تعاطفا ودعما ل«الثورة» الجزائرية ، ومِن هذه الأنظمة «الشقيقة»مَن مَدّ هذه«الثورة البريئة» بالعُدَّة والسلاح وحتى الجنود لمحاربة المغرب «الشقيق».. وحين استفاقت هذه الأنظمة وعاد إليها وعيها ، عرفت حقيقة المَقٌلَب الذي نصبه لها النظام الجزائري الذي ظل يتباكى عليها حتى أَوْقَعَها في شِرْكِه. سنظل نردد ، بكل هدوء وثقة ، لكل من يضمر لهذا البلد الأمين الشر، أن المغرب عَصِيٌّ على الانكسار، لسبب بسيط يتمثّل في إيمانه العميق العميق بعدالة قضيته التي يلتف حولها إجماع وطني قلَّ نطيره . [email protected]