لا تكاد تمر أزمة حتى تحل أخرى بمليلية المحتلة، وإن كانت في محطات حرجة مرت منها المدينة اعتبرها الإسبان من صنيع أيدي مغربية من خارج المعبر الحدودية في مزايدة واتهام باطل، فإن ما شهدته من أحداث فيما عرف انتفاضة الشباب قد وضع إسبانيا في موقع لا تحسد عليه حينما استفاق مسؤولوها السياسيون والأمنيون والإعلاميون أيضا على وقع مواجهة قادها شباب لم يحمل شعار مغربية المدينة هذه المرة بل رفع مطالب لطالما تناستها الحكومات المتعاقبة بمدريد أو في الثغر المحتل منددين بسياسة إقصاء وعنصرية اجتماعية طالتهم لعقد وضاقوا به ذرعا بعد تكرارها بشكل ممنهج يعبر عن نظرة استعلاء وتقزيم لكل ما يمت بصلة إلى غير الإسبان. لقد تابع شباب أحياء الهامش بأم أعينهم كيف كتب لهم القدر ليظلوا ينتظرون ما تجود به مصالح مكاتب التشغيل ومقاولات أخطبوطية ضاعفت من أرباحها وانتفخت رساميلها بفعل يد عاملة لا تتمكن من أن تحصل على نفس الأجر المخصص للإسبان وفضلت قبول واقع في صمت فرضته إكراهات التهميش والحاجة. وكلما ازدادت طوابير العاطلين بالمدينة كان نصيب الشباب من أصول مغربية الأوفر حظا حتى أن الأفواج التي تغادر عملها كلما تعلق الأمر بإغلاق منشأة صناعية أو تجارية أو مقاولة تسجل نسبة كبيرة منها من المغاربة، وغالبا ما يحصلون على مناصب الشغل في مجالات ظلت شاغرة بسبب عدم رضى العامل الإسباني على القيام بها أو ينظر إليها نظرة احتقار وتبخيس سرعان ما يتم المناداة على المغربي لشغل الفراغ المسجل ولنا العبرة في شركات النظافة والحراسة. إذا كان الدستور الإسباني يعتبر مواطنيه سواسية كمواطنين حاملين للجنسية فتلك خصوصية ما وراء المتوسط بشبه الجزيرة الإيبيرية، أما مليلية فلها وضع آخر وبالأخص في حي يحمل اسم «قاميو» أضحى يشكل ثقلا على كل مسؤول عن الشأن المحلي ومصدر قلق دائم لكونه خزانا بشريا لا تتوفر فيه الضمانات الكافية لنجاح مخططات السلطة بمليلية مادام يتألف من ذوي أصول مغربية لا تحتاج إليها إلا في غمرة الانتخابات كرقم من معادلة قادر على الحسم في اسم من يعتلي قمة هرم الحكم في مدينة تتمتع بنظام حكم ذاتي يعبر عن ذات الأنا الذي طبع مسار عقلية إسبانية لا تصدق بعد أنها لم تعد إسبانية عصر النهضة والتوسعات الإمبريالية. بالرغم من التعتيم الإعلامي الذي حاولت من خلاله الإدارة المحلية بالمدينة أن تغلف به الأحداث استطاعت مشاهد وصور حفلت بها تدخلات رجال الأمن والحرس الإسباني التي تناقلتها وسائل الإعلام أن تكسر ذلك التعتيم ولتفضح تلك الصورة التي حرصت على تسويقها الحكومة المحلية بقيادة أمبرودا عن الحزب الشعبي بوعوده وشعاراته المتبجحة بمليلية واصفا إياها بجنة إسبانياجنوب المتوسط، هذه الجنة التي تحول جزء كبير منها إلى جحيم أنار لياليها بألسنة لهب الغضب العارم مجبرا المؤسسة الأمنية بالمدينة إلى طلب النجدة والتعزيزات أمام مجموعات عبرت بكل ما أوتيت من تعابير تلقائية عن رفضها القاطع لكل المعاملات التفضيلية كما لم يدخر المسؤولون جهدا في توظيف كل الوسائل من خطب ود المسلمين المؤثرين في مجرى الحياة العامة لإخماد ثورة نشرت الخوف واستنفرت كل الأجهزة بمن فيها الجيش المرابط في الثكنات المنتشرة في كل أنحاء المدينة. معاناة الساكنة من ذوي الأصول المغربية كشفت الوجه الحقيقي لتجليات الأزمة ووضعت اليد على مكامن جرح أنتج مضاعفات مرضية باطنية أضحت تطفو شيئا فشيئا لتنذر بوجود اختلالات بالجملة لطالما حاول المسؤولون إخفاءها باستضافة شخصيات رسمية سامية تمثل الحكومة المركزية وأقطابا حزبية ومؤسسات اقتصادية لعلها تسهم في ستر حقيقة وضع في مدينة توظفها إسبانيا من أجل التموقع السياسي في علاقاتها مع المغرب اقتناعا منها أن الاعتراف بالإخفاق هو خطوة إلى الوراء وخسارة لنقط تعزز مطالب المغاربة من أجل استرجاع أراضيهم.