بعد مداولات وجدل طويل استمر لمدة عام أو أكثر، تأكد خبر التعاون الصناعي المشترك بين روسيا وإسرائيل في مجال حيوي للغاية يتصل بالأمن والعسكرية، وهو صناعة الطائرات، حيث أكد ممثلو مجمع صناعة الطيران العسكري الإسرائيلي نبأ توقيع عقد مع روسيا لتجميع طائرات إسرائيلية بدون طيار على الأراضي الروسية. وبناء على هذا العقد ، سيتم تصدير مكونات الطائرات إلى روسيا وتجميعها في مصنع قازان للمروحيات في جمهورية تترستان، وفق التكنولوجيا الإسرائيلية، وقد أخذ الأمر شكله الرسمي، حيث وقع العقد عن الجانب الروسي وزير الصناعة والتجارة، فيكتور خريستينكو، وآندري ريوس، المدير العام لمؤسسة اأبورون برومب للصناعات العسكرية، وتبلغ قيمة العقد 400 مليون دولار. ومدة تنفيذه ثلاث سنوات، كما ذكرت صحيفة اغلوبسب الإسرائيلية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية، أن روسيا ستدفع سلفة تبلغ نسبتها 70% من قيمة العقد قبل استلام الدفعة الأولى من مكونات الطائرات، أما نسبة 30% المتبقية فسيتم تقسيطها على مراحل، وهذه التفاصيل تؤكد أن المشروع دخل بالفعل في طور التنفيذ ولا تستطيع أية جهة بعد ذلك أن تنكره، وخاصة الجهات الروسية الرسمية التي عادة ما تنفي وجود تعاون في أية مجالات حيوية مع إسرائيل. لكن رغم هذا الوضوح في الأمر ، مازال هناك غموض يحوم حول الموضوع، هذا الغموض نتج عن تصريحات لمصادر إسرائيلية تقول ان الطائرات بدون طيار التي سيتم تجميعها في روسيا ، لن تستعمل في القوات المسلحة، بل سيقتصر استخدامها على الأغراض المدنية، ولم يحدد المصدر هذه الأغراض المدنية التي ستستخدم فيها هذه الطائرات التي من المعروف عنها حتى الآن أنها تستخدم في أغراض عسكرية. حيث يمكن استخدامها لقصف أهداف، مثلما تفعل القوات الأميركية وحلف الناتو في أفغانستان، وكذلك ما تفعله إسرائيل نفسها بهذه الطائرات مع الفلسطينيين في قطاع غزة، كما تستخدم هذه الطائرات في أعمال التجسس والمراقبة، وقد استخدمتها إسرائيل مؤخرا في متابعة زيارة الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد للبنان، والأهم من ذلك بالنسبة لروسيا أن جورجيا لديها طائرات من هذا النوع حصلت عليها من إسرائيل بعد حرب غشت عام 2008 التي دخل فيها الجيش الروسي الأراضي الجورجية مطاردا لقوات ساكاشفيلي التي هاجمت مدينة تسخنفالي في أوسيتيا الجنوبية. ويرجح المراقبون أن يكون هذا هو السبب الذي دفع روسيا للتعاون مع إسرائيل في تصنيع هذه الطائرة على الأراضي الروسية، نظرا لأن الجيش الروسي لا يملك هذا النوع من السلاح. ويذكر أن روسيا اشترت في أبريل من عام 2009 دفعة من هذه الطائرات الإسرائيلية بدون طيار، وبلغ حجم تلك الصفقة 53 مليون دولار، وتضمنت 3 أنواع من الطائرات تتراوح أوزانها بين 5 كغ و426 كغ. ومنذ ذلك الحين، ترددت الشائعات حول نية روسيا شراء طائرات إسرائيلية جديدة من هذا النوع، ولم يُشر عند شراء هذه الطائرات إلي أنها ستستخدم لأغراض مدنية كما قيل الآن عن الطائرات المزمع تصنيعها في المصنع الإسرائيلي الروسي في مدينة قازان، الأمر الذي يثير التساؤلات حول أهداف سعي روسيا لاقتناء هذه الطائرات وبسرعة، وكان من المقترح أن تشتري بعض النماذج منها لفحصها والتعرف على تركيباتها ثم البدء في تصنيعها محليا، لكن على ما يبدو أن إسرائيل لم توافق على منح ترخيص بتصنيع الطائرة بدون طيار في روسيا، وحتى لا تغضب موسكو، رأت تل أبيب حلاً أفضل في بناء مصنع مشترك لتصنيعها على أراضي روسيا. أيا كان الأمر، فإنه من الواضح أن إسرائيل تسعى جادة لاختراق سوق الإنتاج الصناعي في روسيا، هذا السوق الذي ظل مغلقا في وجهها لعقود طويلة لأسباب سياسية معروفة، حيث كانت الثقة الروسية في التعامل مع إسرائيل تكاد شبه منعدمة، ولكن على ما يبدو أن الأمور تأخذ طريقها للتغيير، خاصة بعد وصول المهاجر السوفييتي، أفيغدور ليبرمان، لمنصب وزير الخارجية في الحكومة الإسرائيلية ، وسعيه الدؤوب لتطوير العلاقات مع روسيا. وقد سبق أن صرح ليبرمان، أثناء زيارته لموسكو في يونيو من العام الماضي، أن إسرائيل تسعى بجدية لشراكة استراتيجية مع روسيا، وقد انتقد الأميركيون هذا التصريح ، وكتبت صحف أميركية عن ليبرمان تقول إنه عميل قديم لجهاز المخابرات السوفييتية (كي جي بي). التقارب الإسرائيلي من روسيا واضح وينمو باستمرار، وهذا في الواقع نذير خطر لأطراف أخرى، خاصة العرب وإيران.