انعقدت في فرنسا بالأمس القريب قمة ثلاثية تضم زعماء فرنساوروسياوألمانيا، هذه الدول الثلاث التي اتفق على تسميتها على المسرح السياسي ب االترويكا الأوروبيةب، علما بأن هناك أيضا ترويكا آسيوية تضم روسيا والصين والهند. ومصطلح الترويكا أصبح يعني ثلاث دول تربطها مصالح وأهداف مشتركة في مجالات محددة، قد تكون سياسية أو اقتصادية أو إستراتيجية أو غيرها، ومن الواضح، بما أن روسيا قاسم مشترك في الترويكتين الآسيوية والأوروبية، فإن كلتيهما ستشمل مجالات متعددة سياسية واقتصادية، وممكن أيضا مجالات أمنية أو إستراتيجية. كما أنه من الواضح أن كلتا الترويكتين لا تروقان لواشنطن شكلا وموضوعا، فالترويكا الآسيوية، روسيا والصين والهند، يربطهم تعاون عسكري مشترك وصل إلى مستوى المناورات المشتركة، أما الترويكا الأوروبية التي هي محل حديثنا، فيربطها أيضا مصالح مشتركة هامة وحيوية للغاية، كما أنها مفتوحة لاحتواء قضايا أخرى غاية في الأهمية، مثل قضية أمن أوروبا. وهذا بالتحديد ما يزعج الولايات لمتحدة من هذه الترويكا، حيث انه لدى روسيا مشاريع لم تخفيها، بل طرحتها منذ نحو أربع سنوات مضت في عهد الرئيس السابق فلاديمير بوتين، ومازالت تطرحها حتى الآن، وهي التي بلورها الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف في نظرية الأمن الأوروبي الحديث التي طرحها العام الماضي ومازالت مطروحة للبحث حتى الآن، هذه النظرية التي تطرح شكلا من أشكال التعاون الأمني في أوروبا تشارك فيه روسيا بشكل فعال ورئيسي. هذا الأمر لا يلقى أي قبول من جانب واشنطن التي ترى فيه خطة لتفتيت حلف شمال الأطلسي وإزاحة الولاياتالمتحدة من أوروبا، وتشعر واشنطن أن هذا المشروع يلقى قبولا من بعض الدول الأوروبية، وخاصة الدول الكبيرة، مثل ألمانياوفرنسا وإيطاليا وأسبانيا، هذه الدول التي أبدت اعتراضاتها على مخططات واشنطن منذ غزو العراق عام 2003. وهي بالتحديد الدول التي أطلق عليها آنذاك وزير الدفاع الأميركي السابق، دونالد رامسفيلد، وصف اأوروبا العجوزب، وهي ذات الدول التي تقبع قواتها العسكرية في شمال أفغانستان ضمن قوات حلف الناتو وترفض النزول للجنوب للمشاركة في العمليات القتالية هناك. اللقاء الثلاثي، الذي عقد في فرنسا بين الزعماء الروسي ميدفيديف، والفرنسي ساركوزي، والألمانية ميركل، بدا بالفعل وكأنه يوجه رسالة ما لواشنطن، هذا على الرغم من محاولة الأطراف في اللقاء إخفاء ذلك، فقد قال مستشار الرئيس الروسي لشؤون السياسة الخارجية ، سيرغي بريخودكو، إن االاجتماع الثلاثي لن يكون بمثابة ناد حصري مغلق يسعى لاتخاذ قرارات بمعزل عن الدول الأخرى، بل إنه الإطار الأمثل لتبادل الأفكار والرؤى مع أقرب الدول الأوروبية في جو تسوده الثقة والانفتاحب. وأضاف بريخودكو أن االرئيس مدفيديف استغل هذا اللقاء الثلاثي للتأكيد على المصالح الروسية ليس فقط في أوروبا، بل وعلى امتداد الساحة الدوليةب، هذا الكلام من مستشار الرئيس الروسي يقصد جهتين، احداهما في أوروبا وهي بريطانيا، والأخرى خارجها . وهي الولاياتالمتحدة الأميركية، وكلتاهما ترفضان تقارب روسيا من أوروبا ، وتستشعران فيه خطرا على نفوذها، وقالت مصادرَ مقربة من الكريملين ان الرئيس ميدفيديف بحث مع الرئيس الفرنسي ساركوزي، والمستشارةِ الالمانية آنغيلا ميركيل، عددا من القضايا ذات الاهتمام المشترك منها: الاقتراحُ الروسي المتعلقُ بصياغة اتفاقيةٍ جديدة للأمن في أوروبا وواقع وآفاق العلاقات بين روسيا وحلف الناتو، والأمنُ في مجالِ الطاقةِ في القارة الأوربية. جدير بالذكر أن ممثلي حلف شمال الأطلسي في الآونة الأخيرة لا ينفكون يقترحون عقد اجتماع لمجلس روسيا - الناتو في لشبونة على أعلى المستويات. وهو ما صرح به الأمين العام للحلف، أندرس فوغ راسموسين. وعبر راسموسين عن أمله في أن يتوصل المشاركون في القمة إلى تقدم في أهم القضايا المطروحة. ومن الواضح أن لدى روسيا خطط وتصورات محددة في القارة الأوروبية، وهذه الخطط تلقى قبول من بعض دول أوروبا الكبيرة مثل فرنساوألمانيا، وهذه المخططات ترفضها واشنطن ولندن تماما. وقد صرحت بذلك وزيرة لخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، أكثر من مرة بأن واشنطن لا توافق على المشروع الروسي لتنظيم الأمن الأوروبي، لكن روسيا لم تيأس ومازالت تسعى بجدية، ولا شك أنها إذا نجحت في مشروعها فسوف تتغير الخريطة السياسية في العالم كله، وخاصة في المنطقة الأورو ؟ أطلسية. محلل أوكراني