الديمقراطية كالأنفلونزا عندما تحل ببلد ما وتصل المرحلة الوبائية فإن كل القطاعات تتداعى بالصهد والحمى..هل هذا هو حال الديمقراطية ببلادنا؟ بلا شك أن بلادنا تسير بإمكانيات محترمة لتصل إلى الحالة الوبائية، لكن إلى ذلك الحين لازالت هناك مؤسسات / قلاع وقطاعات / محميات منفلتة عن الدمقرطة، في هذا السياق تبرز قضية الاحتضان في القطاع الرياضي، ورغم أننا لم نصل بعد إلى مرحلة إدماج الرياضة فعليا كواحدة من رافعات التنمية الأساسية، فإنه مع ذلك يمكن أن نسجل نموا متزايدا للحضور الرياضي بارتباط مع الإشهار وبعض المؤسسات المالية والتجارية .. في الواقع أن العديد من الأندية وخاصة فروع كرة القدم، استطاعت أن تفرض نفسها في سوق الإشهار بالنظر إلى نتائجها وتاريخها وجمهورها وهذا الأمر يعتبر عاديا بالقياس على ما تعرفه كرة القدم العالمية وما نحن مقبلون عليه مع الاحتراف، الأمر الذي يطرح علامات استفهام طويلة وعريضة هو موقع المؤسسات العمومية من عمليات الاحتضان التي تعرفها الأندية الوطنية، فإذا كنا لا نختلف في حرية مؤسسات القطاع الخاص في اختيار الأندية التي تود احتضانها ودعمها، فإنه في المقابل يكون على النقيض من ذلك عندما يتعلق الأمر بمؤسسات عمومية هي ملك لكافة الشعب المغربي وبالتالي لجميع الأندية الوطنية الحق في الحصول على دعمها، الواقع يقول أن هذه المؤسسات ومن خلال مدرائها العامين الذين أصبحوا يتصرفون في ماليتها باعتبارها حديقة خلفية، أصبحت تشرعن ممارسات تمس في العمق مبدأ المساواة في الحق في الحصول على الموارد المالية العمومية، لماذا مثلا يقتصر دعم المكتب الشريف للفوسفاط وهو على حد علمي لازال مؤسسة عمومية، على دعم أولمبيك خريبكة وأولمبيك أسفي والدفاع الحسني الجديدي؟ المفارقة هي أن السنة التي تم فيها احتضان الفريقين العبدي والدكالي الذين توسطا ترتيب البطولة، كان هناك فريق اسمه الاتحاد الزموري للخميسات أضاع لقب البطولة في الجولة الأخيرة من البطولة واحتل مرتبة الوصيف ومثل المغرب في عصبة الأبطال الإفريقية، فهل فريق الاتحاد الزموري للخميسات ينتمي إلى جمهورية « الهولولو»؟ وهل المكتب الشريف للفوسفاط ملك لثلاث مدن فقط؟ وهل الاحتضان يبنى على النتائج أم على منطق « باك صاحبي»؟ ...المؤسف هو أن هذا الأمر لا يقتصر فقط على المكتب الشريف للفوسفاط بل يكاد لايستثني كل المؤسسات العمومية التي تحشر نفسها سوق الاحتضان بالبطولة الوطني، وهنا لابد من ذكر المؤسسات والفرق مع كل علامات الاستفهام التي ترافقها، صندوق الإيداع والتدبير أدمن منذ سنوات دعم فريق الفتح الرباطي سواء كان هذا الفريق في القسم الثاني أو أحد علامات الضوء في الموسم الحالي، وكذلك الأمر بالنسبة للقرض الفلاحي الذي لا يُفارقه حب الفتح الرباطي، بريد المغرب إقتصر على دعم الكوكب المراكشي، وفي عهد إدريس البصري كانت نهضة سطات في حضن الخطوط الملكية المغربية وهنا نتساءل بمكر، مالذي حصل حتى تخلت الخطوط الملكية المغربية عن نهضة سطات؟ أنا شخصيا لا أعرف الإجابة...هذه السنة كانت أيضا ب «خبيزتها« في موضوع الاحتضان فقد سجل هذا الموسم متناقضات لابد من التذكير ببعضها: أولا: نزول الاتحاد الزموري للقسم الثاني بعد أن كان منافسا على لقب البطولة قبل موسم واحد، للإشارة ففريق الخميسات لم يتم احتضانه من قبل أية مؤسسة عمومية أو خاصة طيلة وجوده في قسم الصفوة، وعلى الرغم من النتائج التي حصل عليها، فإن ذلك لم يشفع له في نيل الاحتضان، اللهم احتضان « بالمقلوب « لرئيسه على مدى سنوات محمد الكرتيلي، هذا الاحتضان يبقى ذو شجون وقد يكون ذو سجون لا ندري . ثانيا: صعود كل من شباب الريف الحسيمي برئاسة إلياس العمري وكذلك الأمر مع نادي صنع معجزة في كرة القدم المغربية وهو نادي قصبة تادلة، الذي قطع مسافات ضوئية من القسم الشرفي إلى قسم الصفوة في زمن قياسي لم يتجاوز الخمس سنوات، المفارقة هي أن شباب الريف الحسيمي حصل على «حُضن «عفوا احتضان مؤسسة العُمران، بينما قصبة تادلة احتضنتها « مؤسسة والوا«. هذا الوضع يسيء إلى الجميع سواء للمدن التي تحظى بهذا الاحتضان أو تلك التي لم يتم احتضان فرقها..المؤسسات العمومية يجب أن تخدم الرياضة وفقط الرياضة وليس تقديم الهدايا والمجاملات، لأن من يريد تقديم هدايا عليه أن يقدمها من ماله الخاص، أما الأموال العمومية فيجب أن يكون لكل المدن والأندية الحق في الحصول على دعمها أو إعتماد معيار النتائج، إذ بأي منطق يتم إحتضان فريق بالكاد يفلت من النزول ويتم ترك فريق أفلت البطولة؟ أعرف أن ما أقوله يتفق عليه الجميع بما في ذلك مديري هذه المؤسسات العمومية، وهنا لابد من طرح الموضوع إنطلاقا من جوانب لا علاقة لها بالرياضة من قريب ولا بعيد، هذه الجوانب تتصل خاصة بوضعية رؤساء الأندية فكلما كانت يد رئيس النادي طويلة وعلاقاته واسعة وعريضة، استطاع أن يحصل على الاحتضان بالشروط التي يريد ...وكلما صادف الأمر رئيسا كأيها الناس من محبي « المستديرة « كان عليه إما أن يحول النادي إلى « ضرة « لزوجته أو أن يترك الجمل بما حمل، وفي حالة بعض الرؤساء يكون غياب الاحتضان عاملا مساعدا للمزيد من إطلاق اليد في مالية الفريق واعتبار هذا الأخير ضيعة من بين أملاكه... أخيرا للخروج من هذه الوضعية الشاذة والتي لا يمكن أن تتماشى مع عقلية ومنطق وشفافية الاحتراف، فإن القانون هو الوحيد الذي يمكن أن يكون جدار الصد الأخير الذي سوف يُنصف الرياضة وعددا كبيرا من المدن والأندية، لذا يتوجب على الحكومة أو البرلمان طرح قانون ينظم احتضان المؤسسات العمومية والشركات التي تملك الدولة جزءا من رأسمالها للأندية الرياضية سواء باعتماد المساواة من خلال ضخ الدعم في ميزانية الجامعات المختصة أو اعتماد النتائج، هذا القانون لن يُنصف الأندية فقط بل سوف يساهم ايضا في تحرير عدد كبير من المدراء العامين لعدد من المؤسسات العمومية، وسوف يدفعهم إلى التركيز أكثر على المهام الرئيسية التي خُلقت لأجلها هذه المؤسسات بدل وجود بعضها على حافة الإفلاس، وتوظيف مواردها البشرية في ما يحقق أهدافها بدل تفرغ العديد منها لتتبع الجموع العامة ومقابلات آخر الأسبوع...صناديق التقاعد مثلا في أزمة ...من هنا يبدأ ترشيد النفقات والتقشف. [email protected]