كان حفل افتتاح الدورة الثامنة لمهرجان الفيلم القصير المتوسطي بطنجة عاديا و مختصرا و بدون رسميات، إذ تم الاقتصار فيه على تقديم أعضاء لجنة التحكيم، و كان يمكنه أن يكون مختصرا أكثر لو قام نائب عمدة مدينة طنجة بإعفاء نفسه من الخطاب الوحيد الذي برمج فيه. و كان فيلم الافتتاح «طنجة، مدينة دولية» هو الفقرة الأقوى في هذا الحفل لكونه أثار انتباه واهتمام كل الحاضرين الطنجاويين و غير الطنجاويين من مختلف الأجيال، و خلف نقاشا بينهم بعد مشاهدته. و هو فيلم وثائقي قصير بالأبيض و الأسود (15 دقيقة) و مصحوب بالتعليق باللغة الفرنسية،أنجز في سنة 1946 من طرف المخرج الفرنسي «أندري زووبادا» الذي ركز اهتمامه فيه على الطابع الدولي لمدينة طنجة، و جعل منه وثيقة مهمة بالنسبة لتاريخ المغرب و لأجياله الحالية، و هو أيضا شهادة حية و حقيقية بالصوت و الصورة عن الحياة اليومية التي كانت تعيشها مدينة طنجة في عهد الاستعمار الفرنسي ،مما جعل منها مدينة دولية، و حولها إلى قبلة للزائرين و التجار من مختلف الجنسيات و الديانات، و أصبح مطارها يستقبل يوميا طائرات أكبر شركات الطيران العالمية، كما كانت شوارعها و أزقتها و محلاتها تعرف نشاطا قويا على المستوى التجاري و المالي و الاقتصادي و العمراني. يظهر من خلال هذا الفيلم الفرق الحاصل بين الطابع المغربي الأصيل ( المنعوت في الفيلم بالشرقي) و الطابع الغربي العصري، و يلاحظ ذلك أكثر على المستوى البشري لأن الأغلبية الساحقة للمتجولين بالشوارع و المستحمين بشاطئ المدينة و الفاعلين التجاريين فيها و المستمتعين بها و المستفيدين منها هم من الأجانب العصريين، بينما يظهر المغاربة بين الحين و الآخر بلباسهم التقليدي يقومون ببعض المهام البسيطة أو يتفرجون على ما يدور من رواج بمدينتهم دون أن يكون لهم دور بارز في ذلك، بل إن البعض منهم نساء و رجالا يقطعون مسافات و مسافات بلباسهم الجبلي التقليدي، لنقل منتوجاتهم الفلاحية من الضواحي بوسائلهم الخاصة و بطريقة بدائية بواسطة الحمير لبيعها في أسواق مدينة طنجة العصرية و الدولية. يمكن قراءة هذا الفيلم الفرنسي الذي أنجز في عهد الاستعمار من مختلف الزوايا طبعا، و هو فيلم يدعو إلى الكثير من التأمل في الحاضر و محاولة ربطه بالماضي الذي مازالت بعض البنايات القديمة للمدينة و بعض الأسماء التي تحملها تعود بالذاكرة إليه بإيجابياته طبعا و سلبياته أيضا.