كثيرا ما تثار القضايا الأدبية خارج ما ينشر في الملاحق والمجلات الثقافية عن طريق المراسلات الخاصة والجدل في اللقاءات بين الكتاب، أو بينهم وبعض الباحثين الشباب فتبقى حبيسة جدران محدودة مع أنها قد تفيد الآخرين أو على الأقل، تثير حماسهم للمشاركة بالأسئلة أو بالتعليق . وهذه الردود نماذج مما يدور في هذه الحلقات البعيدة عن الذيوع والنشر. 1 قصيدة مجهولة كتب إلي الطالب الباحث «أحمد الكعبوري» أبياتا شعرية لم يهتد لقائلها، وقد نصحه بعض من استشارهم إلى أنها قد تكون لمحمد الحلوي، أو لأحمد عبد السلام البقالي، ولكنه يقول: «راجعت دواوين الشاعر الحلوي، كما عدت الى ديوان الشاعر البقالي المسمى: «أيامنا الخضراء» فلم أعثر للقصيدة على أثر». أما الأبيات فهي: إنْ عانَقَتْ مصرٌ العراقَ تآخيا أؤ ضمَّ لبنانَ الجميل الشامُ أوْ عاهدَ اليمَنُ الحجازَ مُحالفاً شأنَ الأحبَّة بينهنَّ وئامُ ولئن رأيتَ جموعهُمْ وقفَتْ غدا بالقُدس يقدمُها فتى ضرغام فالمغرب العربيٌُ يخٌطُ طريقَهُ للشرق لاجُبْنٌ ولا استسلام حسْبُ العروبة مامضى من فُرقَةٍ وشَتاتٍ شَمْلٍ كله آلامٍ شيئان لانبغي بديلاً عنهما لهما نعيش: العُرْبٌ والإسلام قبل أن نجيب على المبتغى أشير الى أن الشاعر أحمد عبد السلام البقالي له ديوان ثان طبع بالمطبعة الملكية عام 2005 وعنوانه: «عيون». أما القصيدة التي ذكرت بعض أبياتها فهي لشاعر صامَ عن الشعر منذ سنين ولاديوان له حسب علمي. هذا الشاعر هو ادريس الكتاني، وقد نقلتُ بعض أبياتها، ومنها الأبيات المذكورة، عندما كنت أجمع مادة أطروحة الدكتوراه التي قدمتها بجامعة الجزائر وعنوانها «الشعر الوطني المغربي في عهد الحماية» في بداية السبعينيات. وهذه القصيدة توجد ضمن السلسلة الأولى من ديوان العرش وقد طبعت بالمطبعة المحمدية بالرباط عام 1948. 2 الاغتراب في الشعر العربي وعلال الفاسي ومن الطالبة الباحثة نبيلة بوعياد وصلتني رسالة مسهبة تتلخص في نقطتين: أن أستاذها طلب منها تقديم كتابي عن «الاغتراب في الشعر العربي الحديث» فلاحظت ملاحظة أيدها فيها الأستاذ وهي أن الكتاب أهمل نوعا أساسيا من الاغتراب لم يتطرق إليه وهو اغتراب المنافي والسجون وتساءلت: «أين الشعر الرائع الذي نفثه الزعيم علال الفاسي من منفاه الطويل؟ وأين شعر الحلوي في سجنه؟ وأين شعر الحبيب الفرقاني بين القضبان؟». أما الملاحظة الثانية فهي «أرجو أن يتسع صدرك لملاحظتي لأنني أعرف أن بعض أساتذتنا لا يتقبلون النقد». ولأبدأ بالملاحظة الثانية لأؤكد أن النقد البناء يثري العمل الأدبي لأنه يظهر مافيه من أخطاء أو هفوات لا أحد من الكتاب معصوم منها. لكن لو عدت إلى كتبي السابقة لوجدت الجواب الشافي، فقد كتب الشاعر أحمد المجاطي مقدمة ديواني الوحيد بروح نقدية عنيفة ولكني نشرتها كما هي في الطبعة الأولى والثانية للديوان. كما كتب رائد الأدب المغربي الأستاذ عبدالله كنون نقدا طويلا لأطروحتي عن «الشعر الوطني» بَيَّنَ فيها أخطاء ونقائص استفدت منها باعتزاز، وقد نشرت نقده بأمانة في كتابي «خطوات في الرمال» لأنني أستعير شعار أهل الصحافة «الخبر مقدس والتعليق حر» فأقول: «النقد أمانة ونقاشه حر». أما الملاحظة الأولى وهي خلو كتاب «الاغتراب في الشعر العربي المعاصر» من شعر المنافي والسجون فهي ملاحظة سليمة أُقرُّ بصوابها، لكن إذا ظهر السبب بطل العجب. فالكتاب المذكور هو أطروحة دكتوراه الدولة نوقشت بكلية الآداب ظهر المهراز جامعة محمد بن عبدالله منذ سنوات والمنشور منها هو الجزء الثاني. أما الجزء الأول فقد احتفظت به إلى كتاب لاحق وفيه فضل خاص سميته «الاغتراب السياسي» وهو لا يدرس شعر المنافي والسجون فقط بل يشمل الشعراء المنفيين طوعا أو كرها أمثال الجواهري والبياتي ودرويش وسعدي يوسف، ولأنك أكدت كثيرا على شعر الزعيم علال الفاسي فإني سعيد أن أخبرك أنني ابن الحركة الوطنية، وأنني حين كنت أجمع مادة بحثي عن الشعر الوطني المغربي كنت أذهب بأوراقي وأسئلتي المتحمسة إلى بيت الزعيم علال فيشملني برحابة الصدر والإرشاد، وكثيرا ما أطلعني على قصائد بخط يده في أوراق أو دفاتر قبل أن يطلع الصديق الأستاذ عبدالعلي الودغيري. الجزء الأول من ديوانه ثم تتوالى الأجزاء بتحقيق المرحوم عبد الرحمان لحريشي. 3- الشعر الوطني ومحمد بوجندار ألِفْتُ منذ سنوات أن أتبادل الرأي مع أصدقاء أساتذة ومنهم صديقي عبد القادر الحسناوي، وقد استنكفت مرات أن أرد على بعض الكتابات لأني لا أرى أنها تستحق، بل إني قد أحجمتُ عن التنديد بما فعله لصَّان ببعض ما نشرت، فقد سرق المسمى د.ناول عبد الهادي قصة ترجمتها عن غي دي موباسان ونشرها حرفيا في المجلة السعودية «الفيصل» عدد 214 سبتمبر 1994، وسرق لصٌّ آخر قصة ترجمتها عن ريشارد ريف واسمه د.نوال راجي نشرها بالحرف بالمجلة الكويتية «العربي» عدد 437 أبريل 1995. والقصتان معا مطبوعتان ضمن كتابي «تأملات في الأدب المعاصر». وقد ناب عني في الكشف عن هذه الفضيحة الصارخة صديقي الأستاذ مصطفى يعلى في مقال مسهب سماه «التلوث الثقافي» نشره بالملحق الثقافي للعلم، وأعاد نشره بالقدس العربي.. لكن ما نبهني إليه صديقي عبد القادر يدفع إلى الرد بالحزم اللائق، فقد كتب الأستاذ محمد احميدة في كتابه «محمد بوجندار» هامشا (ص: 87) يعلق فيه على كتابي عن الشعر الوطني المغربي يقول فيه: «الكتاب في الأصل رسالة تقدم بها الأستاذ السولامي للحصول على دبلوم الدراسات العليا من جامعة الجزائر»، وهو تعليق خاطئ من أساسه لأن جامعة الجزائر لم تكن بها شهادة تسمى دبلوم الدراسات العليا. فالرسالة المقدمة نالت شهادة تسمى الدكتوراه، وإلا لكان من يضعها على كتبه مزيفاً مزوراً كمن يمارس الطب بدون شهادة، أو ينصب على الناس بلباس الدركي وليس دركياً. أما معادلتها الإدارية فذاك أمر آخر لأن لكل دولة الحق في أن تعادل شهاداتها بشهادات الدول الأخرى بمقاييس تضعها لنفسها. وقد انتهت فرنسا،والمغرب بعدها، إلى توحيد الدكتوراه لتصبح واحدة تسمى الوطنية، وحسناً فعل وطننا لأن جيلنا أنفق سنوات طويلة في البحث وراء الشهادات لأنها الوسيلة الوحيدة لتحسين الوضع الاجتماعي عند كثير من الأساتذة المنحدرين من طبقة مكافحة بجد وكرامة. لكن لاننسى أن عديداً من النبغاء النابهين تخرجوا من جامعة أرقى هي جامعة الحياة أمثال: شارلي شابلن وعباس العقاد وأحمد الطيب العلج. كنت دائما أربأ نفسي عن الجدل في الأمور الصغيرة عملاً بالمثل الصيني: «العقول الصغيرة تهتم بالأشخاص، والعقول المتوسطة تهتم بالأفكار، أما العقول الكبيرة فتهتم بالمبادىء. فالذي يهتم بتوافه الحياة لن يجني إلا ما جناه بطل قصة لأنطون تشيخوف يعدها بعض النقاد أقصر قصة قصيرة ومضمونها: «أن عاملاً روسياً بسيطاً اعتاد أن يخرج من بيته إلى العمل فلا يرفع رأسه ليرى لون السماء، ولا يلتفت إلى الدور ولا إلى الناس، وإنما يحملق في الأرض عله يعثر على شيء ثمين. وكلما عثر على شيء اختزنه، فكان حصاد ما جمعه بعد سنين من عمره: 423 مسماراً، 94 من الأزرار، 12 روبية.. وظهراً مُقوّساً وحياة بائسة».