يذكر أن الدورة الحالية لمعرض التمور بمدينة أرفود الذي نظم أيام 1 و2 و3 من أكتوبر الجاري تحت الرعاية السامية لجلالة الملك، كان له طابع خاص. بصفتكم مهتما بالمجال الثقافي والجمعوي بمنطقة تافيلالت، بماذا تميزت هذه الدورة؟ * في واقع الأمر فإن نسخة معرض التمور بأرفود لهذه السنة تميزت بمميزات عدة، جعلت منها نسخة مختلفة تماما عن النسخ الماضية، شكلا ومضمونا؛ وذلك لاعتبارات كثيرة على رأسها أنها أتت على خلفية الزيارة الملكية لتافيلالت في شهر نونبر من العام الفائت. هذه الزيارة التي أظهرت مدى الرعاية الكبيرة التي يوليها جلالة الملك لرعاياه في هذه الربوع الفيلالية المباركة، حيث أطلق جلالته جملة من المبادرات الخاصة بتأهيل واحة تافيلالت إنسانا ومجالا، وما أعقب ذلك من توقيع لمجموعة من الاتفاقيات، والالتزام بجملة من التوصيات تنفيذا للتعليمات الملكية السامية بخصوص النهوض بالشأن الفيلالي على كافة الأصعدة. ومن أهم المشاريع التي تولدت عن هذا الحدث الملكي المبارك، إعادة الاعتبار لنخيل المنطقة صيانة وتجديدا وغرسا، وذلك بإعطاء انطلاقة غرس مليون شجرة نخيل معظمها من النوع الجيد المعروف محليا بتمر «المجهول» أو التمر «الملكي»، مع ايلاء الفلاحين أهمية خاصة في إطار تشجيع إنتاج التمور وتسويقها وفق رؤية جديدة، والتي يعد المعرض الدولي الأول للتمور بأرفود ثمرة لها. تتميز هذه النسخة أيضا بانتقالها من المستوى المحلي والوطني إلى المستوى العالمي والدولي، وذلك بمشاركة بعض الدول في هذا المعرض، مما رفع من مستوى التنافسية، ومكن من تبادل الخبرات والتجارب في هذا الميدان، ووسع أمام الزوار مجال الاختيار بالنسبة لما يبحثون عنه من أصناف التمور وطرق استعمالاتها. كما أن النسخة الحالية تمت في رواق خاص أعد بعناية كبيرة لهذا الحدث قرب حي السلام عند المدخل الجنوبي لمدينة أرفود، مما مكن من استيعاب أعداد الوافدين على هذه الحاضرة، وذلك عكس ما كان يجري في النسخ الماضية؛ حيث كان المعرض يتم في الساحة العمومية داخل المدينة، مما كان يسبب في اختناقها، ولا يسمح لفلاحي المنطقة بعرض كافة أنواع منتوجاتهم من التمور. - هل صحيح ما لاحظه الكثيرون على أن هناك من أراد تغيير منحى المهرجان في اتجاهات خدمة مصالح ضيقة؟ ماذا كان رد فعل المجتمع المدني، وخاصة الجمعيات الثقافية والتنموية بالمنطقة؟ * بالفعل لقد اعتبرت بعض الجهات أن هذا المعرض الدولي للتمور بأرفود فرصة من ذهب يجب استغلالها في إطار دعاية سياسوية مباشرة وغير مباشرة، خدمة لانتماءاتها، مما جعلها تنسب إليها فكرة تدويل هذا المعرض، وجعله من بنات أفكارها؛ بل أدرجته ضمن ما سمته بالتزاماتها ببرنامجها الذي وعدت به سكان المدينة أثناء الحملات الانتخابية السالفة، ناسية أو متناسية أنه نابع (المهرجان) من صلب زيارة جلالة الملك إلى المنطقة ومنبثق عنها، ومتجاهلة أن متطلبات هذا المعرض بالمواصفات التي تم بها من حيث إعداد أروقته وتنظيم فضاءاته الداخلية والخارجية، تفوق كل إمكاناتها وتتجاوز مجمل طاقاتها، وأن ذلك تطلب مجهودات إقليمية وجهوية ووطنية مضنية للوصول إلى إخراجه بالصورة التي تليق بتافيلالت رمز الدولة العلوية الشريفة. كما أن هذه الجهات توهمت أنها أصبحت مستأسدة للشأن المحلي بأرفود، تصول وتجول دون حسيب أو رقيب، إلى حد أنها وضعت تمثالا رخاميا كبيرا، ونصبته في موقع استراتيجي وسط المدينة، وكأنها تذكر الزوار بشيء عظيم أحدثته في هذه البلدة لكن هذا الحلم لم يدم أكثر من يوم أو يومين على تاريخ تنصيب هذا التمثال أو الرمز العملاق، إذ سرعان ما اكتشف بعض الغيورين على الشأن المحلي بالمدينة ? وخاصة جمعيات المجتمع المدني الحية والفاعلة- أن هذا التمثال سوف يضر بالزوار ويطرح لديهم علامات استفهام؛ بل هو مركب تركيبا «شيمي بوليتيك» يصيب الوجدان والأذهان، ويؤذي المجال والإنسان،، كما أن الشكوك بدأت تخامر أهل أرفود بأن معرض مدينتهم سوف يتحول من معرض للتمور إلى معرض لرموز إيديولوجية، وخاصة بعدما تسربت بعض الإشاعات مفادها أن هناك من هو جاد في إحضار هذه الرموز فعلا. فبدأ البعض يستحسن هذه الفكرة، ويقول لماذا لا نجرب هذا التصور، فقد يكون مدخلا لمهرجان عجائبي فريد من نوعه. فليتصور المرء هذا المشهد العجيب في أرفود، حيث يستمتع الزوار بالنظر إلى بعض الحيوانات والحشرات والأشياء، لكن هذا المعرض العجائبي المفترض لم يحدث بعدما تدخلت السلطات المحلية، واستجابت لنداءات هؤلاء الغيورين على بلدتهم، فأمرت بسحب التمثال اللغز، وأعادت المعرض إلى حالته الطبيعية. - في رأيكم، ما هي الطريقة السليمة لإقامة هذا المعرض، خاصة إن أردنا الحفاظ عليه باعتباره موروثا ثقافيا عمر أكثر من 60 سنة؟ *إن الطريقة الفضلى للاحتفال بمعرض التمور بأرفود، هو إخراجه من الطابع الموسمي، وجعل شجرة النخيل في صلب اهتمامات المقيمين على الشأن المحلي بهذه المنطقة على مدار السنة، وذلك بجعله ذا طابع تنموي عبر عقلنة المنتوج المحلي، وخلق فرص للشغل من أجل امتصاص معدلات البطالة المرتفعة في صفوف الشباب، مع التعريف بالمنطقة تعريفا علميا واقعيا وموضوعيا بعيدا عن البهرجة والصخب الفارغين، وذلك للمزاوجة بين الفلاحة والسياحة اللتين تعتبران من دعائم دخل الساكنة المحلية، إضافة إلى الالتزام ببرنامج التأهيل الحضري، ودعم وتقوية البنى التحتية للمجالات المنتجة وتأهيل المرافق الاقتصادية والاجتماعية، وإحداث وحدات صناعية محلية متخصصة في صناعة التمور وفق جودة تنافسية. كل ذلك كفيل بإنجاح هذا المعرض وإعطائه طابعه الوطني والدولي، ويشجع الدول من مختلف القارات على القدوم إليه من أجل عرض منتوجاتها المرتبطة بقطاع التمور؛ وذلك عكس ما حدث خلال هذه النسخة، حيث كان المقيمون على المعرض يراهنون على حضور عشرات الدول، فإذا بالعكس هو الذي حصل، إذ لم يتجاوز عدد هذه الدول رؤوس الأصابع، الشيء الذي جعل أهداف هذا المعرض بعيدة المنال، ولم يحقق سوى نسبة منخفضة من انتظاراته وتطلعاته.