متابعة لما سبق ألن نشرته العلم من تحقيقات بخصوص المجندين المغاربة خلال الحرب الأهلية الإسبانية، توصلت الجريدة بمعطيات هامة ودقيقة خلص إليا الباحثان عبد الله كموني وعبد الوهاب برومي أزالت الستار عن تفاصيل جديدة تسلط الضوء على حقائق تاريخية رافقت مشاركة أبناء منطقة الريف في هذه الحرب التي دارت رحاها بين 1936 و1939 ويتضمن االبحث الذي يعد نتيجة سنوات من التنقيب والدراسات الميدانية وتصفح وثائق رسمية مصدرها المؤسسة العسكرية الإسبانية أرقام و خرائط تحدد مواقع المعارك والمنشئات الصحية والمقابر وكذلك قوائم بأسماء المجندين منهم الأطفال والشيوخ. والتزاما بمضمون البحث و المعطيات التي زود بها الباحثان الجريدة ننشر ما توصلا إليه الباحثان مرفوقا بقراءة دقيقة لأولى لحظات البدء في عمليات ترحيل وأسباب مشاركة أبناء منطقة الريف من الريف الشرقي والأوسط وغمارة وشفشاون وجبالة والمنطقة الغربية بشمال المغرب. أقلت الطائرة الإنجليزية "التنين السريع" الجنرال فرانسيسكو فرانكو رئيس المنطقة العسكرية بجزر الخالدات من مجال قيادته إلى أكادير ثم إلى الدارالبيضاء وأخيرا إلى تطوان بعد أن هيأها له أصدقائه من كبار الضباط المقيمين بجانب حكومة اليسار داخل التراب الإسباني تحت مبرر القيام بجولة في التراب المغربي. وفي تطوان بتاريخ 19 يوليوز من سنة 1936 التقى الجنرال فرانكو بالخليفة السلطاني مولاي المهدي و برفقته المقيم العام الإسباني فاريلا varella وكشفا له عن نيتهما في يتغيير النظام القائم بإسبانيا وأنهما في حاجة ملحة للمقاتلين من الريف للقضاء على نظام الكفر و الإلحاد في إشارة إلى الجمهوريين. عندئذ قام عملاء الإسبان بتعبئة المجتمع الريفي و تحريضه و تشجيعه ليجاهد الملاحدة فضلا عن خنق و ضعيته الاقتصادية ومحاصرته بسن قوانين مجحفة في حقه للدفع به إلى اختيار وضعية التجنيد كحل بديل للمشاركة في الحرب الأهلية الإسبانية حتى يسلم من وضعيته المزرية مما جعل الريفي يجد نفسه مدفوعا إلى حرب لا تعنيه إطلاقا و لا تهمه في شئ. هكذا نجحت سياسة تجويع أهالي الريف و تأزيم وضعيتهم الاجتماعية والصحية كذلك في إجبارهم على دخول الحرب الأهلية عبر فرض ضرائب باهضة عن كل ما ينتج من المواد والمواد الفلاحية (أشجار،مواشي،دواجن، وحتى أبسط الأشياء) كما استغل فرانكو تردي الوضع الصحي بعد انتشار أمراض التيفوس والجدري والسل حيث كان شرط الانخراط في الجيش كفيلا بتمكينهم من التلقيح والعلاج، وأمام الحاجة الملحة في الجنود عمدت الإدارة العسكرية إلى مصادرة أراضي الممتنعين عن الالتحاق بالخدمة العسكرية دون استثناء عائلاتهم بغرض إجبار الصغار على المشاركة في الحرب التي كانت أيضا تعفي أهالي الريف من متابعات قضائية وأحكام صادرة في حقهم. وموازاة مع سياسة التجويع و التضييق والمصادرة للفئة العريضة من ساكنة الريف سلك فرانكو سياسة الإغراء و الوعود لأعيان الريف وشيوخ القبائل إذ وعدهم باستقلال ذاتي الأمر الذي أكده الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي في بعص وثائقه التي اعتبر فيها فرانكو العدو الأول للريف بسبب تضييقه على ساكنة المنطقة وتجويعهم واستهداف ممتلكاتهم، كما جاء في وثائق الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي أن فرانكو وعد بإحداث بيت بالقاهرة يستقبل فيه طلبة الريف لمتابعة دراستهم ولكن سرعان ما تبخرت وعوده وتم حرمان الطلبة من أي إعانة أو إيواء. فيما ذهب فرانكو إلى أبعد من هذا حينما تظاهر بكونه يحترم المسلمين والإسلام ويشجع على أداء الواجبات الدينية إذ كان يرسل إبان فترة الحرب مجموعات من المسلمين من منطقة الريف لأداء فريضة الحج لدرجة أن روج عملاؤه في الريف أن فرانكو رجل تقي ومسلم وهو يؤدي فريضة الحج بمكة حتى كان هناك من يلقبه بالحاج فرانكو. لقد نجحت سياسة فرانكو في تجييش أهل الريف للمشاركة في الحرب الأهلية ووفقا لإحصائيات المؤرخين الإسبان فإن عددهم قدر ب 62271 بينهم 63 ألف مجهولي المصير و10 آلاف طفل تقل أعمارهم عن 12 سنة (أنظر قائمة بأسماء الأطفال المجندين). وكانت مليلية المنطقة الأولى للمناوشات بين الانقلابيين وأنصار حكومة اليسار سنة 1936 التي شارك فيها شاهد عيان يسمى أرهوان عبد السلام البوغافري وأدلى بشهادته التي وصف فيها الدور الكبير الذي قام به في محاصرة أحد أبرز ضباط الجيش الإسباني يدعى كابتن مولا قبل أن ينطلق إلى فكتوريا وأبيدو تحت قيادة القبطان كاباييخا الذي رقاه فرانكو فيما بعد إلى رتبة جنرال.